بلقيس شراره

كنت احب السفر وزيارة الأقطار الأخرى في العالم، والتعرف على تقاليدهم واسلوب معيشتهم. فعندما كنا نعيش في بوسطن في الولايات المتحدة، كنا نسافر في عطلة الصيف، نطلع على معالم الولايات الأخرى. البلد الواسع والضخم، المتشعب بلهجاته التي تتغير من منطقة الى أخرى، فزرنا خلال إقامتنا اكثر من ثلاثين ولاية، من بينها إلينوي/Illiniois، وكنا في زيارة إلى بعض الأبنية التي صممها المعمار لويس سوليفان والمعمار فرنك لويد رايت، واذا بنا نلتقي ببطل الملاكمة محمد علي كليّ الذي تبرع آنذاك ببناء جامع للجالية المسلمة في شيكاغو، ودار الحديث بيننا، فقد كان عائداً من زيارته لبيروت، عام 1985 اثناء الحرب الأهلية في لبنان إذ تبرع آنذاك في بناء جامع. ثم التقط رفعة لي ولشقيقتي مريم صوراً فوتوغرافية معه.
ولد محمد علي في الولايات المتحدة باسم كاسيوس مارسيلس كليّ/Cassius Marcellus Clay، في عام 1942. وبدأ بالتدريب على الملاكمة عندما بلغ سن الثانية عشرة من عمره. وشعر أثناء طفولته انه لا يعامل كالأطفال البيض، وكان يوجه الأسئلة للوالدته ويسألها لما الشخص الأبيض ينظر لي نظرة دونية ويشعرني دائما من أني اقل منه درجة، ويقول لوالدته لما كل ما هو جيد يوصف بالأبيض وكل ما هو سيء يوصف بالأسود. وظل التمييز العنصري يحز في نفسه، طيلة حياته، خاصة عندما طلب مرة قدحاً من الماء من صاحب مخزن ابيض ورفض اعطاءه الماء لأنه أسود، وقد اثرت هذه الحادثة عليه واصبح من المدافعيين عن حقوق السود والأقليات في الولايات المتحدة.
وعندما بلغ سن 18 عام حصل على المدالية الذهبية في الملاكة في مسابقة الألمبياد عام 1960، ومنذ ذلك الوقت أصبح ملاكماً محترفاً. كما اعترف به من انه أعظم ملاكمي عصره، حتى انه كان يردد هو هذه المقولة، من انه اعظم ملاكمي عصره.
واعتنق الإسلام كدين، واصبح عضواً في منظمة Nation of Islam، في نفس العام. وغيّر اسمه من كاسيوس مارسيلس كلي إلى محمد علي، اذ اعتبر اسمه يمثل الاستعمار، ورفض الاشتراك في حرب فيتنام عام 1967. ووجد نفسه متهماً لرفضه الاشتراك في هذه الحرب، وحكم عليه بالتخلي عن القابه والسجن لمدة خمسة اعوام، لكنه أستانف الحكم، واسقطت المحكمة العليا عنه الحكم، وبقي خارج السجن. وخلال المؤتمر الصحفي الذي اقامه، هاجمته صحفية أمام عدد كبير من الصحفيين، وحاولت ان تحّقره، لأن الناس اعتبروه جباناً لرفضه ان يشترك في حرب فيتنام. كان اسم الصحفية سارة ميشل عن صحيفة شيكاغو تربيون. وكانت معروفة في انها تسأل اسئلة لا يسألها أحد، ففي فندق هلتون في نيويورك عندما كان محمد علي في قمة شهرته، كانت سارة ميشل تبلغ من العمر 32 عام، ومن الصحفيات اللواتي قررن ان يجابهن محمد علي، بعد أن قتل اخيها الصغير البالغ من العمر 22 عاماً في حرب فيتنام، وكان يكتب لها الرسائل ويتكلم عن الحرب والخوف الذي يأتي مع هذه الحرب.
لكن محمد علي تمسك في رفضه الإلتحاق بالجيش، و اعتبر ان دينه وضميره لا يساعداه على ان يحارب في هذه الحرب. لقد كان من المتوقع ان يخسر كل شيء، كمسلم بسبب رفضه للخدمة بهذه الحرب، وقالت له الصحفية: كيف تسمي نفسك اعظم انسان ولا تخدم وطنك. وكيف تتجرأ وانت جالس بملاسبك الثمينة في هذا الكرسي، واخي قتل منذ ستتة اشهر، الذي كان يكتب لي من فيتنام، وكان يكتب عن خدمته لوطنه، وانت بطل الملاكمة وتتختفى وراء الدين.
سألها عندئذ عن اسم اخيها، قالت له اسمه جيمس، ثم قال لها:هل تخبريني عنه وعن حياته وعن هواياته، فاجابته ان يحب سماع المغني بوب دلين ولعب البيزبول، واستمرت الصحفية تتكلم عن اخيها، فلم تستطع ان تهيمن على غضبها، وكان محمد علي صامتاً، يستمع اليها طيلة الوقت. وفي النهاية بعد ما دافع عن موقف اخيها وعن موقفه، وجدت الصحفية نفسها بجانب محمد علي، واصبحت من اصدقائه، وعندما توفي محمد علي عام 2016 بعد معاناته من مرض الباركنسين، حيث اصيب به منذ عام 1984، القت كلمة في رثائه.