ترجمة المدى

أعرب خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة اليوم عن قلقهم إزاء تقارير تفيد بوقوع عمليات اتجار بالنساء والفتيات لغرض الاستغلال والاستعباد الجنسي، وكذلك تجنيد الأطفال واستخدامهم كمقاتلين، في ظل تصاعد أعمال العنف في مدينة الفاشر.
ومنذ بدء حصار قوات الدعم السريع لمدينة الفاشر والمناطق المحيطة بها في مايو/أيار 2024، نزح أكثر من 470 ألف شخص مراتٍ متعددة، بما في ذلك من مخيمات الشَّقْرة وزمزم وأبو شوك. وأكثر من ستة ملايين طفل، 27% منهم دون سن الخامسة، هم من بين النازحين داخليًا أو الساعين إلى اللجوء والحماية في البلدان المجاورة. ويحدث العنف الجنسي في مختلف مناطق النزاع في السودان، بما في ذلك الفاشر وبحري والجزيرة والخرطوم وكردفان وكُورْنُوي ونيالا وأم درمان وزمزم.
وقال الخبراء: “نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير المروعة عن الاتجار بالبشر منذ سيطرة قوات الدعم السريع على الفاشر والمناطق المحيطة بها. لقد جرى اختطاف نساء وفتيات في المناطق الخاضعة لسيطرة قوات الدعم السريع، كما أن النساء والأطفال غير المصحوبين أو المنفصلين عن أسرهم يواجهون خطرًا متزايدًا بالتعرض للعنف والاستغلال الجنسي.”
وفي يونيو/حزيران 2025، أفادت تقارير بتعرض نساء وفتيات تتراوح أعمارهن بين 15 و17 عامًا للاغتصاب بالقرب من نقطة تفتيش تابعة لقوات الدعم السريع بين الشقرة وطويلة أثناء فرارهن من الفاشر. كما تعرضت 25 امرأة أخرى لاغتصاب جماعي على يد قوات الدعم السريع تحت تهديد السلاح في ملجأ للنازحين قرب جامعة الفاشر. وتم توثيق حالات من التعري القسري عند نقاط التفتيش أيضًا.
وأضاف الخبراء: “إن النساء والفتيات النازحات داخليًا من بين من يتم الاتجار بهن بهدف الاستعباد الجنسي وأشكال أخرى من الاستغلال الجنسي. كما أن تجنيد الأطفال واستخدامهم من قبل الجماعات المسلحة آخذ في الازدياد أيضًا.”
وتابع الخبراء بالقول: “وهناك أدلة دامغة على أن النساء والأطفال المنتمين إلى مجتمعات غير عربية في شمال دارفور، بما في ذلك الزغاوة والفور، قد تم استهدافهم عرقيًا وتعرضوا للاغتصاب. كما تكشف التقارير عن نمط من الاحتجاز التعسفي والزواج القسري للنساء والأطفال بغرض الاستغلال الجنسي. إن ممارسة السيطرة والاستحواذ على الضحايا في هذه السياقات تُعد مؤشرًا على العبودية الجنسية.”
وأضاف خبراء الأمم المتحدة أن العائلات “تُترك بدون مأوى أو رعاية صحية أو تعليم أو أدنى درجات الأمان، بينما يؤدي منع وصول المساعدات وانهيار الخدمات إلى دفعهم إلى حافة الهاوية. ونحن ندعو إلى تحرك عاجل لإنهاء انتهاكات حقوق الإنسان التي تقف وراء هذه المعاناة، ولضمان حصول المجتمعات النازحة على الحماية والمساعدة التي تحتاجها بشدة.”
وقالوا إنه يجب على جميع أطراف النزاع “احترام حقوق الإنسان ومنع مزيد من الفظائع ضد المدنيين، بما في ذلك الاتجار بالنساء والأطفال.” محذرين من أن الاستغلال والاستعباد الجنسي ومظاهر العنف ذات الخطورة المماثلة، وتجنيد الأطفال، إنما تشكل جميعها جرائم اتجار بالبشر وانتهاكات جسيمة للقانون الدولي.
ورحب الخبراء بقرار مجلس حقوق الإنسان عقد دورة استثنائية حول حالة حقوق الإنسان في الفاشر والمناطق المحيطة بها في 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، وحثوا الدول الأعضاء على اتخاذ إجراءات عاجلة ومنسقة لتنفيذ قرارات المجلس المتعلقة بالسودان. من جانب آخر، أشار المجلس النرويجي للاجئين (NRC) إلى أن مخيم طويلة بالسودان أصبح شريان حياة لمئات الأطفال الذين انفصلوا عن أسرهم أثناء فرارهم من العنف المتصاعد في غرب دارفور. مؤكدًا وصول أكثر من 400 طفل غير مصحوب بذويهم إلى المخيم خلال الشهر الماضي وحده. وقالت ماتيلد فو، مديرة المناصرة في المجلس النرويجي للاجئين، إن الوضع لا يزال مروعًا. وأضافت: “نرى أطفالًا يعتنون بأطفال آخرين لأن الآباء اختفوا أو تم اعتقالهم. هذا ليس أمنًا”، وتابعت: “الجميع هنا متوترون جدًا ومصابون بصدمة نفسية. وأي هدوء موجود هو هش للغاية.”
وجاءت موجة النزوح هذه عقب هجوم دموي في الفاشر، حيث خلفت قوات الدعم السريع مئات القتلى في مكان كان يُعد آخر معاقل الجيش السوداني الرئيسية في دارفور.
قالت فو إن الصدمة النفسية كانت شديدة بشكل خاص على الأطفال، مضيفة: “لهذا السبب نطالب بتوفير المزيد من التعليم في حالات الطوارئ. العديد من الأطفال عانوا من الجوع لمدة 18 شهرًا، وفقدوا منازلهم وأفرادًا من أسرهم، وتحملوا رحلة قاتلة للوصول إلى طويلة”.
وقد وصل كثير من الأطفال إلى المخيم برفقة أقارب أو جيران، بل وحتى غرباء رفضوا تركهم في الصحراء أو في الفاشر التي تمزقها الحرب. وقالت نداء، وهي عاملة في مجال حماية الأطفال، إن التعافي العاطفي يحتاج إلى وقت: “وصلوا وهم منطوون، عنيفون، وعدوانيون”، وأضافت: “بعد الجلسات والدعم، أصبحوا أكثر تفاعلًا وانخراطًا من جديد.” وفي وقت سابق من هذا الشهر، وافقت قوات الدعم السريع على هدنة إنسانية بوساطة أمريكية، لكن الجيش السوداني رفضها، مؤكدًا أنه يجب على قوات الدعم السريع الانسحاب من المناطق المدنية ونزع سلاحها قبل أن يدخل أي اتفاق حيز التنفيذ.
وفق برنامج الأغذية العالمي، تفرقت العائلات الفارة من القتال في خمسة مواقع محيطة بالفاشر، بينها طويلة، بينما وصلت مجموعات أخرى إلى مناطق أبعد مثل دَبَّة في الولاية الشمالية وحتى الخرطوم. ويجري حاليًا نقل نحو 1485 طنًا متريًا من المواد الغذائية – تكفي لنحو 130 ألف شخص – إلى طويلة عبر معبر الدبة، بالتوازي مع مساعدات إضافية للنازحين. في المقابل، أدى تجدد القتال في كردفان إلى موجات نزوح جديدة، حيث سُجل نزوح أكثر من 1800 شخص في جنوب كردفان خلال يوم واحد، ونحو 40 ألفًا في شمال كردفان بين 25 تشرين الأول و18 تشرين الثاني، بحسب المنظمة الدولية للهجرة.
منذ بدء حصار الفاشر في أيار 2024، نزح أكثر من 470 ألف شخص مرات متكررة من مخيمات مثل شقرة وزمزم وأبو شوك، فيما يبلغ عدد النازحين قسرًا داخل السودان أو الهاربين إلى دول الجوار قرابة 12 مليون شخص، نصفهم تقريبًا من الأطفال، وسط تقارير متواصلة عن عنف جنسي في مناطق النزاع المختلفة. على المستوى السياسي، يستعد الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في السودان، رامتان لعمامرة، لزيارة بورتسودان وأديس أبابا في الأيام المقبلة، سعيًا إلى إحياء الحوار السياسي، مع تركيز على حماية المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية بلا عوائق إلى دارفور وكردفان، في حرب بدأت في نيسان 2023 بين “الدعم السريع” والجيش السوداني، وتحولت إلى واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم من حيث المجاعة والنزوح والانتهاكات الواسعة.
عن صحف ووكالات عالمية