علاء المفرجي
في كتاب (دجلة الجريحة.. رحلة عبر مهد الحضارة) الذ ترجمه محمد نبراس العاني، ينطلق المؤلف ليون مكارون في رحلة شاملة على مدى 71 يوماً (في 2021) من منبع نهر دجلة — في المرتفعات التركية — مرورًا بشمال سوريا وشمال العراق، حتى مصبه في الخليج العربي.
بمرافقة فريق متنوّع (مصوّر فوتوغرافي، ناشطون بيئيّون، مترجمين ومحليّين) يبحر بالمركب أو يقطع أجزاء برية حين تفرض الظروف ذلك. والكتاب ليس مجرد مذكرات رحالة، بل محاولة لاحتضان التاريخ، الحاضر، والبيئة — لتقديم صورة حية عن "حياة النهر" وما يحيط به من مجتمعات وثقافات.
يربط المؤلف بين دجلة القديمة — التي نشأت بها حضارات مثل السومرية، الأشورية، العباسية — وبين واقع اليوم. من أماكن قد خفت مجدها مثل مدن صناعية أو قرى غارقة أو مهجورة. يروي لقاءات مع مزارعين، صيادين (من سكان الأهوار)، فنانين، ناشطين بيئيين، حتى أولئك المتأثرين بالحروب والنزوح — ليجعل من النهر محورًا لأكثر من مجرد جغرافيا: بل ذاكرة بشرية وثقافية، في مشاهد مريرة، يصف الأهوار التي لطالما كانت غنية بالحياة، اليوم — مهدّدة بسبب تغيّر المناخ، التلوث، تحويل مجاري المياه، السدود، وهجرات الناس.
الكتاب لا يقدّم دجلة كمجرّد جغرافيا أو خريطة، بل كمخلوق يعاني: بأنه «جرحى»، «يموت»، «يتلاشى». هذا الأسلوب — كما لاحظت مراجعات — يعطي بعدًا إنسانيًا، لا مجرد تحليل بيئي أو تاريخي. فمن خلال لقاءاته مع صيّادين، مزارعين، ناشطين بيئيين، أهل أهوار، وأشخاص عانوا من الحروب أو من آثار التلوث — يُظهر تأثير التغيّر على الناس، ليس فقط على الطبيعة.
الكاتب يبدأ من منابع دجلة، حيث نقوش وآثار لحضارات قديمة — في إشارة إلى أن هذا النهر كان جزءًا من ولادة الحضارة.
ثم ينتقل ليجسّد كيف أن الحاضر — بتغير المناخ، السدود، الحروب، التهميش — حوّل دجلة إلى ظلّ لما كانت عليه. هذا التماهي بين التاريخ والواقع يضيف غلافًا مؤثرًا للقصة.
مكارون وفريقه لم يبقوا عند نطاق البحث النظري: سافروا، شاهدوا المياه المتلوّثة، حملوا روايات أشخاص حقيقيين، واجهوا صعوبات ملموسة: الحر، المرض، المخاطر الأمنية — ما يعطي صدقية عالية لتقرير “ما يمر به دجلة”.
كتاب دجلة الجريحة هنا لا يُقدّم “حلولًا” لمأساة المياه في العراق أو لسوريا — فهو ليس ورقة سياسة، بل رواية/رحلة، هذا يجعل من الكتاب دعاء إنساني/بيئي أكثر من خطة إصلاح: القارئ يعرِف حجم المشكلات، لكن لا يجد خارطة طريق واضحة أو تحليل عميق لعوامل التدهور (كالسياسات الزراعية، المياه العابرة للحدود، النزاعات، الفساد).
الكتاب مليء بمناظر الدمار، التلوث، النزوح، الفقر، الفارق بين الماضي المشرق والحاضر الكئيب، بعض القرّاء وجدوا أن هذا التجوال في الألم مفرط، ما يجعل التجربة “مضعِفة”، وربما تُذهب بالإنسان إلى اليأس، بدل الأمل. لأن التركيز كبير على المحنة، المعاناة، الخسارة قد تغيب جانب المقاومة الحيّة، التحدّي، الجهود (مهما كانت قليلة) لإعادة البناء أو للحياة.
والكتاب يعطي صوت الفلاح، الصياد، الناشط — وهو مهم جدًا. لكن غياب مناقشة من داخل الجهاز الحكومي العراقي، أو من خبراء مختصين بتدبير المياه والسياسات، يترك فجوة: لماذا حصل تدهور بهذا الشكل؟ ما السياسات الخاطئة؟ وما البدائل؟
بعض مجتمعات أو جمعيات محليّة في العراق تحاول حماية الأهوار، المياه، البيئة. لكن الكتاب بالكاد يعرض الأمل لكن هل يعكس الواقع الميداني كاملاً؟ أم أن هناك مقاومة حقيقية تستحق تسليط الضوء؟










