بغداد / علي الدليمي
افتُتح المعرض الشخصي الخامس للفنان كاظم إبراهيم، بعنوان "صمت المرايا"، على معهد المركز الثقافي الفرنسي. الذي ضم أعمال تجربته الجديدة.
ويشير عنوان هذا المعرض إلى بُعد نفسي وفكري عميق يلامس أسرار الذات الإنسانية والتفكير بالوجود.
وتحليل نقدي إلى أن مفهوم "الصمت" في الفنون المرئية يحمل دلالة رمزية ومعنى حول القلق الوجودي وتساؤل الكائن عن مصيره ودوره.
المرايا التي يقدمها الفنان هنا لا تُقدم مجرد انعكاس فيزيائي، بل تمنح لحظات تأمل درامي تُجلي واقعنا بأبعاده النفسية والعاطفية.. وتعتمد على بناء اللوحة ضمن علاقات شكلية مُنتظمة، تحقق توازناً وتناغماً وتضاداً فاعلاً. تُعبر الألوان والأشكال والرموز والمساحات عن مفاهيم ورؤى جدلية تتجاوز الواقع الملموس.
تُظهر أعمال كاظم ابراهيم تجريداً هندسياً واضحاً، يمثل قراءة ملفتة للشخصيات. يميل الأسلوب إلى المدرسة التكعيبية أو التعبيرية الحديثة، حيث يتم تحليل العناصر وإعادة تشكيلها بكتل لونية وأشكال واضحة.
في تبسيط الهيئات، حيث يُختزل الجسد البشري إلى كتل صلبة وخطوط محددة، وغالباً ما تكون الرؤوس مجردة دون ملامح، ما يخدم فكرة الرمزية لحالات إنسانية شاملة، بدلاً من تمثيل أشخاص مُحددين.
يأتي ذلك في بناء محكم، إذ تبنى الخلفيات والبيئات بعناصر هندسية: مربعة ومستطيلة وخطوط عمودية وأفقية، ما يضفي عليها إحساساً بالثبات المعماري. تستخدم الخطوط الغامقة لفصل الأجزاء وتحديد حواف الكتل، مبرزة البعد التكعيبي.
ويهيمن على مجمل الأعمال استخدام الألوان الدافئة والمُشبعة في مقابل الألوان الباردة:
فالذهب والأصفر، يستخدمان لتصوير الأجساد، مانحاً إياها شعوراً بالنورانية والدفء الداخلي، وقد يشير إلى البعد الروحي المتعمق.
أما الأزرق والأخضر فيستخدمان هذان اللونان الباردان لإنشاء تباين قوي في الخلفيات. يشكل الأزرق تحديداً فضاءً مغلقاً يعزز الإحساس بالانعزال والتأمل ضمن حدود مُعينة.
والأحمر الساطع، أو اللون الساخن، يظهر كلون مسيطر بقوة في بعض الأعمال، وهو لون معبر يمكن أن يرمز إلى العاطفة القوية أو إحتدام الصراع الداخلي.
تُعالج الأعمال عموماً موضوعات إنسانية بالغة الأهمية، منها الاغتراب والتفرد في إظهار الشخوص منفصلة، حتى عندما تتجاور. هيئات الوقوف والجلوس تبدو متجمدة ومتباعدة، الأمر الذي يوحي باغتراب الفرد في عالمه.
كما أن الاتصال والتجاور في العلاقة بين شخصين، حتى في حالات القرب الجسدي، تصور بصلابة هندسية، ما يطرح تساؤلاً جوهرياً حول طبيعة التواصل الروحي في مقابل التجاور الفيزيائي في الحياة الحديثة.
لقد نجح الفنان كاظم إبراهيم في هذا المعرض في خلق عالم متكامل يعتمد على اللون والبناء كوسيلتين تعبيريتين أصيلتين. إنها تجسيد بصري للقلق والتأمل، تُركز على مواجهة التكوين الإنساني للبيئة المهندسة، مقدمة اللوحات بوصفها مرايا صامتة قادرة على تأويل المشاهد.











جميع التعليقات 3
كاظم ابراهيم .
منذ 3 أسابيع
شكرا لك اخي على على تحليلك الجميل والدقيق فقد ولجت الى قاع الحدث الذي اضفت له بعدا سيكولوجيا رائعا لك اجمل تحياتي الصحيفة المدى الغراء .
اميمه اسماعيل مصطفى
منذ 3 أسابيع
شكرا لجريدة المدى الغراء وللاستاذ على الدليمى لهذ القراءه العميقه والتحليل الدقيق لمعرض كاظم ابراهيم صمت المرايا .ليبقى الصمت هو ملاذنا الاخير
ابوصفاء
منذ 1 أسبوع
عندالتفحص في نتاجاتك المبدعه والرائعه شعرت انا في عالم اخر جعلني اتوه مع كل لوحه في مكان اخر واتنقل على بساط الريح حاملا معي فرحي وبدون ملل شعرت اني اطير بهاله من الخيال الذي ابهرني ...وانتابتني فزة طفل صغير يرفض الابتعاد عن حمامات حلوه محاولا ان اطيلكثي