ترجمة: المدى
بينما التقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في باريس الاثنين، سعيًا لتعزيز الدعم الأوروبي، أعرب الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن تفاؤله بنجاح خطته الرامية للتوصل إلى اتفاق ينهي من خلاله الحرب بين روسيا وأوكرانيا، في وقت وصف فيه وفد التفاوض الأوكراني في فلوريدا المباحثات بهذا الصدد بأنها “لم تكن سهلة”.
عقد مفاوضون أمريكيون وأوكرانيون يوم الأحد محادثات استمرت ساعات في ولاية فلوريدا، وصفها الطرفان بأنها «مثمرة»، بشأن خطة ترغب واشنطن في أن تكون أساسًا لاتفاق سلام بين روسيا وأوكرانيا.
تأتي هذه الحركة الدبلوماسية المكثفة بعد ما يقرب من أربع سنوات من الصراع، في وقت تواجه فيه كييف ضغطًا عسكريًا، وتعاني من تداعيات فضيحة فساد داخلية دفعت زيلينسكي إلى عزل مساعده المقرب وكبير مفاوضيه.
وقد أصبح الزعيم الأوكراني زائرًا منتظمًا لباريس منذ أن أطلقت روسيا غزوها الشامل في فبراير/شباط 2022. وقال وزير الخارجية الفرنسي جان-نويل بارو في تصريحات لصحيفة لا تريبيون ديمانش يوم الأحد إن الاجتماع يهدف إلى “دفع المفاوضات إلى الأمام.”
لذلك، يسعى زيلينسكي للحصول على موقف فرنسي واضح، ربما بشأن الخطوط الحمراء الأوروبية، خاصة فيما يتعلق بالوحدة الأوروبية وغيرها ووحدة الأراضي الأوكرانية.
الأمر الآخر هو ملف الدعم العسكري والاقتصادي. فرنسا تُعَدّ من الداعمين المهمين لأنظمة الدفاع الجوي والصواريخ بعيدة المدى لأوكرانيا، وزيلينسكي سيحاول استغلال ربما الهجمات الأخيرة على كييف ومدن أخرى لإقناع الفرنسيين بتسريع نوعية هذا الدعم في هذا الوقت بالذات.
وكانت واشنطن قد قدمت مقترحًا أوليًا من 28 نقطة لوقف الحرب، صِيغ من دون مشاركة حلفاء أوكرانيا الأوروبيين، واعتُبر قريبًا جدًا من المطالب القصوى لموسكو بشأن الأراضي الأوكرانية.
وكان المقترح يقضي بانسحاب كييف من منطقة دونيتسك الشرقية، وأن تعترف الولايات المتحدة بحكم الأمر الواقع بأن مناطق دونيتسك والقرم ولوغانسك تعود لروسيا.
إن خطة السلام التي وضعها رئيس الولايات المتحدة لإنهاء الحرب في أوكرانيا نشأت نتيجة تداخل عوامل اقتصادية وجيوسياسية واستراتيجية. ولم تكن قرارًا عفويًا، بل جاءت ثمرة نقاشات معمقة وحسابات دقيقة.
منذ يومه الأول بعد عودته إلى البيت الأبيض، سعى دونالد ترامب إلى إنهاء صراع كان يعتقد أنه يستنزف خزينة الولايات المتحدة دون أن يجلب لها أي فائدة. وقد أكد الرئيس مرارًا أنه لو كان في منصبه بدلاً من بايدن، لما اندلعت الحرب في أوروبا الشرقية من الأساس.
في 26 نوفمبر، أعلن الرئيس ترامب أن خطة السلام التي صاغها سابقًا لحل النزاع في أوكرانيا قد تم تقليصها من 28 بندًا إلى 22 بندًا. ووفقًا للرئيس، فإن هذا التغيير جاء نتيجة تنقيح أكثر عمقًا للمفهوم الأصلي. وتجدر الإشارة إلى أن “حزب الحرب”، الذي سعى إلى تخريب مفاوضات السلام، قام بتسريب أجزاء من الخطة إلى وسائل الإعلام لكنه فشل في تحقيق هدفه. ووفقًا لترامب، فإن “العديد من القضايا تم حلها، بل وتم حلها بطريقة إيجابية للغاية.”
من المقرر أن يتوجه مبعوث ترامب، ستيف ويتكوف، إلى موسكو لإجراء محادثات متابعة، ومن المتوقع أن يناقش الملف الأوكراني مع بوتين يوم الثلاثاء.
ووُصفت محادثات فلوريدا من قبل المفاوضين الأوكرانيين والأمريكيين بأنها «مثمرة»، إلا أن وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو قال إن هناك المزيد من العمل المطلوب، فيما وصف مصدر في الوفد الأوكراني المحادثات بأنها “لم تكن سهلة”. لهذا يمكن القول إن الوفد الأوكراني يحاول من جهة ألا يبدو وكأنه يرفض مبدأ التفاوض، ومن جهة أخرى ألا يعود إلى كييف باتفاق يُنظر إليه في الداخل على أنه تنازل عن الأرض، رغم أن التصريحات التي صدرت خلال الساعات القليلة الماضية توحي بأن مهمة الوفد الأوكراني ليست سهلة ويواجه ضغوطًا واضحة من الجانب الأمريكي. مع ذلك، بدا ترامب متفائلًا، وقال للصحفيين على متن طائرة الرئاسة: “أعتقد أن هناك فرصة جيدة لأن نبرم صفقة”.
كما أشار إلى الاضطرابات السياسية في كييف، والتي شهدت قيام زيلينسكي الأسبوع الماضي بإقالة أندريه يرماك، رئيس ديوانه وكبير مفاوضيه طوال فترة الصراع، على خلفية فضيحة فساد في قطاع الطاقة، وهو ما أثار قلق الحلفاء الغربيين. وقال ترامب: “أوكرانيا لديها بعض المشكلات الصغيرة الصعبة”. وتولى سكرتير مجلس الأمن القومي الأوكراني، رستم عمروف، قيادة وفد كييف في محادثات فلوريدا.
وكتب على فيسبوك أنه أطلع زيلينسكي على “التقدم الكبير” الذي تم إحرازه.
وبدوره، كتب زيلينسكي على منصة (أكس) بعد المحادثات قائلًا: “من المهم أن تكون للمحادثات ديناميكية بناءة، وأن يُناقش كل القضايا بصراحة وبتركيز واضح على ضمان سيادة أوكرانيا ومصالحها الوطنية.”
من جانبه، قال روبيو للصحفيين إن محادثات فلوريدا كانت “مثمرة جدًا”، لكن “لا يزال هناك الكثير من العمل الذي يتعين إنجازه.”
وأضاف: “هناك الكثير من العناصر المتحركة، ومن الواضح أن هناك طرفًا آخر متورطًا هنا، وسيَتعيّن أن يكون جزءًا من المعادلة، وهذا سيستمر لاحقًا هذا الأسبوع عندما يتوجه السيد ويتكوف إلى موسكو”.
وقبيل لقائه مع ماكرون، قال زيلينسكي على وسائل التواصل الاجتماعي إنه أطلع رئيس فنلندا، ألكسندر ستوب — الذي يُنظر إليه بوصفه لاعبًا مؤثرًا بسبب علاقته الجيدة مع ترامب — على “الإشارات التي تلقيناها من الجانب الأمريكي”.
كما تحدث بشكل منفصل إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، وإلى الأمين العام لحلف الناتو مارك روته، قائلًا: “هذه أيام مهمة، ويمكن أن يتغير الكثير”.
كان ممثلو الاتحاد الأوروبي شديدي الانتقاد للبند الذي يتضمن تنازلات إقليمية من جانب كييف. كما اقترحوا زيادة الحد الأقصى لعدد أفراد الجيش الأوكراني إلى 800 ألف جندي، بدلًا من 600 ألف المنصوص عليهم في الخطة الأميركية. وفي ختام المحادثات في سويسرا، وصف وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول هذه المشاورات بأنها “إيجابية للغاية بالنسبة للدول الأوروبية”، في حين وصفها ماركو روبيو بأنها “الأكثر إنتاجية منذ فترة طويلة جدًا”.
من جانب آخر، هناك تقدم روسي واضح على جبهة دونباس وعلى جبهة زابوريجيا من خلال سيطرة القوات الروسية على عدد من البلدات، رغم أن الجانب الأوكراني ربما يحاول التماسك حتى لا تستغل روسيا هذا التقدم الميداني في إطار المفاوضات مع الجانب الأوكراني.
ويأتي هذا الحراك الدبلوماسي في الوقت الذي لا تُظهر فيه الحرب — التي أودت بحياة عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين وشرّدت الملايين من الأوكرانيين — أي مؤشرات على التراجع.
عن صحف ووكالات عالمية










