كريم ستار/المثنى
تشهد محافظة المثنى خلال السنوات الأخيرة توسعًا كبيرًا في المشاريع السكنية الاستثمارية، وسط جهود حكومية ومحلية لمعالجة أزمة السكن التي تفاقمت مع ارتفاع معدلات النمو السكاني وتراجع مشاريع الإسكان الحكومية منذ 2003.
ووفق بيانات هيئة الاستثمار في المحافظة، فإن عدد الوحدات السكنية المنجزة أو قيد الإنجاز في المجمعات الاستثمارية بلغ نحو 20 ألف وحدة، إلا أن هذه الزيادة في المعروض لم تُترجم إلى حل فعلي لأزمة السكن، بسبب ارتفاع الأسعار بشكل لا ينسجم مع متوسط دخل سكان المحافظة.
أسعار مرتفعة خارج القدرة الشرائية
تبلغ أسعار الوحدات السكنية في هذه المشاريع بين 100 مليون وتصل أحيانًا إلى 200 مليون دينار للوحدة الواحدة، وهو رقم يعدّ مرتفعًا مقارنة بمتوسط دخل الفرد في المثنى، التي تُصنَّف ضمن المحافظات الأقل دخلًا وفق آخر مسح لوزارة التخطيط. ويبلغ متوسط دخل الأسرة في المحافظة ما بين 700 – 900 ألف دينار شهريًا، ما يجعل شراء وحدة سكنية استثمارية أمرًا شبه مستحيل دون قروض مصرفية كبيرة.
ورغم أنّ هذه المشاريع تُسوَّق على أنها "حلول حديثة ومتكاملة"، إلا أن المواطنين يؤكدون أنها لا تمثل خيارًا واقعيًا لهم، ويرون أن الارتفاع الكبير في الأسعار يجعلها بعيدة عن متطلبات السوق الحقيقية، مقارنة بالمنازل التقليدية داخل الأحياء السكنية، التي تُعد أقل سعرًا وتمنح خصوصية أكبر.
الاستثمار يسبق الخدمات
يشير سكان المحافظة إلى أن الإقبال ما يزال متجهًا نحو شراء المنازل التقليدية، رغم قدم بعضها، لأنها توفر مساحة أكبر وإمكانية التعديل والتوسعة، فضلًا عن الخصوصية التي تُعد عنصرًا أساسيًا في ثقافة السكن المحلية.
ويقول محمد بالي، أستاذ مادة الإسكان في جامعة المثنى، إن الأسعار المرتفعة تشكل العقبة الأساسية أمام نجاح هذه المشاريع، مضيفًا:
"العقبة الوحيدة للحصول على وحدة سكنية هي المبالغة المرتفعة بأسعارها. ولو تم تخفيض الكلفة إلى مستوى مناسب، فإن الطلب على هذه الوحدات قد يرتفع بنسبة تصل إلى 60%".
ويشير بالي إلى أن ضعف الخدمات يفاقم تردد السكان، موضحًا:
"التخطيط في الأحياء التقليدية يمنح خصوصية أعلى، لكن المقارنة مع الخدمات تجعل المواطنين يفضلون السكن القديم. نجاح الاستثمار السكني يحتاج إلى بنية تحتية جاهزة وخدمات مستقرة". ويقول الخبير الاقتصادي سلام العارضي إن أسعار العقارات في المثنى أصبحت منفصلة عن واقع الدخل الحقيقي، مضيفًا: "حين يتماثل سعر عقار في المثنى مع سعر عقار في دولة مجاورة تمتلك خدمات متطورة واستقرارًا أكبر، فهذا يعني أن الأسعار مبالغ فيها ولا تعكس البنية التحتية الضعيفة. الخدمات المصاحبة للمجمعات لا تزال متواضعة، وهذا لا يبرر الكلف الحالية".
ويشير العارضي إلى أن غياب الرقابة الرسمية على سوق العقارات أدى إلى تفاوت كبير في الأسعار بين مشروع وآخر، فضلًا عن غياب جهة رقابية تمنع الاحتكار أو التلاعب.
القروض السكنية
تقدم المصارف العراقية قروضًا سكنية تتراوح بين 100 – 150 مليون دينار بفوائد منخفضة أو بدون فوائد، لكن اقتصاديين يرون أنها ليست حلًا مستدامًا، كونها قد تشكل عبئًا طويل المدى على المواطن.
ويقول العارضي ":القروض قد تساعد المواطن على الشراء، لكنها ليست حلًا جذريًا. إذا لم تتغير الأسعار أو تتحسن الخدمات، فإن القروض ستضع المواطن تحت ضغط مالي يمتد لسنوات طويلة". ويحتاج المواطن متوسط الدخل إلى 7 – 12 سنة لسداد قرض سكني إذا خصص 25% من دخله الشهري لهذا الغرض، وهو ما يجعل الكثيرين يعزفون عن خوض هذه التجربة.
مشاريع تُسوّق كمتكاملة
يؤكد عدد من سكان المحافظة الذين استطلعت "المدى" آرائهم أن المشكلة لا تقتصر على الأسعار فقط، بل تتعلق بنقص واضح في الخدمات الأساسية داخل العديد من المجمعات.
ويقول محمد جاسم، أحد سكان قضاء السماوة:
"لا يمكن شراء وحدة سكنية بهذه الأسعار بينما الخدمات الأساسية غير مكتملة. البعض من المجمعات تُسوّق كأنها متكاملة لكنها تفتقر لمياه مستقرة وطرق مؤهلة وصرف صحي وكهرباء".










