عصام الياسري
الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية، كما طالت مفوضية الانتخابات انتقادات بشأن عدم شفافية بعض الأرقام وإدارة العملية.
النتائج الأولية أعطت زعامة لحملة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني لكن بناء حكومة أغلبية يبقى مفتوحا لمفاوضات طويلة. وفيما أعلنت المفوضية نسبة مشاركة مرتفعة (عن 55 ـ 56 % من الناخبين المسجلين)، انما خبراء وسياسيين شككوا في المقاربة الحسابية (النسبة من المسجلين مقابل إجمالي المؤهلين) واعتبروا أن المشاركة الفعلية بين الإجمالي المؤهل أقل مما روج له، مما يؤثر على شرعية النتائج في أعين جزء كبير من الجمهور. حيث تصدر المشهد الانتخابي اتهامات شراء الأصوات ووصف حجمها وطرقها: تقارير صحفية ونشطاء سياسيون وصفوا ظاهرة شراء الأصوات بأنها «تفاقمت» في هذه الدورة، توزيع نقدي مباشر، شراء بطاقات اقتراع ونقلها، دفع مبالغ مقابل تأمين بطاقة انتخابية أو الحضور إلى صناديق محددة. فيما تم تسجيل حالات ضبط واعتقالات مرتبطة بتجارة بطاقات الناخبين.
هذه الأنماط تكررت في كل الانتخابات العراقية السابقة، لكن هذه المرة وفق المراقبين تبدو مكثفة، حيث بلغت مليارات الدنانير. تقارير محلية وإقليمية وصحفية تحدثت عن أنماط معروفة: دفع نقدي مباشر، شراء بطاقات اقتراع/ تبادلها، استخدام شبكات نفوذ محلية لإقناع أو إجبار مجموعات (عاطلين، نازحين) على التصويت لمرشح محدد. في حين تم ضبط حالات وتسجيل بلاغات في محافظات مختلفة. غير أن هذه الظاهرة ليست موزعة بالتساوي؛ فبعض الأطراف كانت تميل إلى شراء الأصوات لأنها تتركز حيث تتقاطع موارد مالية محلية مع ضعف في رقابة ميدانية. اما في المدن الكبرى والمناطق الريفية ذات وهج زبائني معروف كانت الأكثر تلاعبا. من جانب آخر، المنظمات الرقابية لفتت إلى العديد من الخروقات الإجرائية والقانونية وعدم الشفافية، لكن لا من يسمع ولا من يدري.
وبالعودة إلى الانتقادات الرئيسة للمفوضية شملت: حسابات المشاركة وإعلان أرقام تبدو متضخمة بسبب الاعتماد على المسجلين (وليس كافة المؤهلين)، إدارة التصويت المبكر لعسكريين والنازحين مررت بالغصب والرضى، طريقة الإعلان عن النتائج الأولية جدلية، وتقصيرا ملحوظا في الشفافية بحسب مراقبين محليين ودوليين. وفيما يتعلق بتوقيت إجراء الانتخابات فقد ثار جدل واسع (من احتج على تزامن/ تقديم تاريخ التصويت). أيضا قضايا أمنية وإدارية أدت إلى انتقادات لفاعلية الإشراف. هذه نقاط أثارتها تقارير إعلامية وتحليلات ميدانية خلال مدة الاقتراع وما بعدها.
السيناريو المرجح في أعقاب النتائج: آثار غضب محلية وإقليمية وسياسية لاحقة، مفاوضات لتحالفات واسعة وبناء حكومة ائتلافية؛ توتر بين قوى موالية لإيران وأخرى تحاول كسب استقلالية سياسية للتمويه؛ احتكاكات محتملة على توزيع الحقائب والموارد. كذلك ستستخدم أحزاب المعارضة أو المراقبين أي دلائل عن شراء للأصوات للطعن في شرعية بعض المقاعد أو للضغط سياسيا.
على ضوء قراءتنا للمشهد من الناحيتين القانونية والسياسية ـ يتأكد: وجود تقارير عن شراء أصوات لا يعني أن الانتخابات بأكملها مزورة، لكنه يقلل من مستوى الثقة. نقاش موضوعي يجب أن يميز بين: حالات محلية/ منظمة لشراء أصوات، ومؤامرة منهجية على المستوى الوطني. التوليفات الحالية تشير إلى انتشار مقلق لآليات شراء الأصوات وتأثير معين في بعض المناطق، لكن ذلك ليس استنتاجا قاطعا بأن كل النتائج باطلة... غير أن، الواقع الثابت يشير: إلى أن بعض الأحزاب التقليدية استخدمت موارد مالية وسلاسل ولاءات محلية لزيادة الأصوات (سياسيا وعمليا بما في ذلك شراء الأصوات في مناطق معينة)، فيما سارعت بعض الفصائل المدعومة إقليميا إلى تأمين مواقعها عبر آليات منظمة ودعم المرشحين على صعد مختلفة ـ مادية وإعلامية لا نظير لها...










