الأنبار /المدى
في وقت تتصاعد فيه الإجراءات الأمنية على امتداد الشريط الحدودي غربي محافظة الأنبار، نفى مدير مكافحة مخدرات الأنبار العقيد أكرم الراشد صحة المعلومات المتداولة حول استخدام المناطق الغربية كـ»ممرات» أو «مخازن مؤقتة» للمخدرات، مؤكداً أنّ ما يروج في بعض الصفحات لا يستند إلى أي معطيات واقعية، وأن المحافظة تعمل بسياق أمني محكم يمنع أي خرق محتمل.
وجاء هذا الموقف بالتوازي مع إعلان قيادة قوات الحدود عن إحباط محاولة تهريب جديدة عبر بالون هوائي، في واحدة من أكثر طرق التهريب غرابة وخطورة، بعد ضبط 18 كغم من الحبوب المخدرة في منطقة حدودية تقع غرب الأنبار، ضمن قاطع مسؤوليات الفوج الثالث في لواء الحدود السادس.
التحصينات الحدودية تطيح بأساليب تهريب مبتكرة
بيان قوات الحدود أوضح أن المفارز المنتشرة على الشريط الحدودي تمكنت من اكتشاف بالون هوائي محمّل بـ 98 كيساً، يحتوي كل منها على 1000 حبة مخدرة. وأشار البيان إلى أن هذه العملية تأتي امتداداً لنجاح التحصينات والإجراءات المتخذة في صد محاولات التسلل والتهريب عبر الحدود الدولية.
وبحسب البيان، فإن المواد ضُبطت وفق الأصول القانونية، وتم تنظيم محضر ضبط وإحالة القضية إلى الجهات التحقيقية المختصة.
هذه العملية لم تكن الأولى من نوعها، إذ سبق للأجهزة الأمنية في الأنبار أن أعلنت خلال الأشهر الماضية عن إحباط محاولات مشابهة، استخدم فيها المهربون طائرات مسيّرة، وبالونات، ووسائل غير تقليدية لإيصال المواد المخدرة عبر الحدود نحو داخل العراق، قبل أن تُسهم المتابعة الاستخبارية في تعطيل تلك المحاولات.
في سياق متصل، شدّد العقيد أكرم الراشد، مدير مكافحة مخدرات الأنبار، على أن الحديث عن تحويل المناطق الغربية إلى نقاط عبور أو مخازن مؤقتة لشحن المخدرات هو معلومة غير صحيحة ومضللة.
وقال في تصريح لـ(المدى)، إن الشريط الحدودي يخضع إلى "جهد مستنفر من قيادة قوات الحدود والقطعات الماسكة، وبطريقة لا يمكن خرقها أو استخدامها لعبور المخدرات".
وأكد الراشد أن المديرية، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية كافة، تمتلك "جهداً استخبارياً واسع النطاق يرصد كل تحركات شبكات وتجار ومروّجي المخدرات"، مضيفاً أن تلك الشبكات "تلقّت خلال العامين الماضيين خسائر فادحة نتيجة ضبط المواد والقبض على المتورطين".
ونفى الراشد أيضاً مزاعم وجود "مخازن" للمهربين في المناطق الصحراوية، مؤكداً:
«لم ولن نسمح بذلك، وما ينشر في بعض الصفحات لا يمتّ للحقيقة بصلة.»
مع تشديد السيطرة على الطرق البرية التقليدية، يلجأ المهربون إلى أساليب جديدة ومحفوفة بالمخاطر. ووفق الراشد، فإن "ضيق طرق التهريب نتيجة إحكام السيطرة على الشريط الحدودي" دفع شبكات التهريب إلى ابتكار طرق بديلة مثل استخدام المناطيد (البالونات الهوائية) في محاولة لإيصال شحنات صغيرة.
ويشير إلى أن هذه الأساليب سرعان ما تم كشفها وإحباطها بفضل "العمل المستنفر والمستمر" من قبل مديرية مكافحة المخدرات والقيادات الأمنية، بما فيها الجيش العراقي، وقيادة قوات الحدود، وهيئة الحشد الشعبي.
وأوضح:
«ضبطنا جميع المناطيد التي حاول التجار إدخالها عبر الحدود، وهذا بفضل التنسيق العالي بين الأجهزة الأمنية التي تعمل كخلية نحل، هدفها واحد وعملها واحد.»
تُعدّ محافظة الأنبار الأكبر مساحة في العراق، وتتميز بامتداد حدودي طويل يزيد على 1100 كلم مع كل من سوريا والأردن والسعودية، ما جعلها تاريخياً هدفاً لمحاولات التهريب بأنواعها، سواء كانت مواد مخدرة أو أسلحة أو بضائع أخرى.
لكن السنوات الأخيرة شهدت تغيّراً واضحاً في الواقع الأمني، خصوصاً بعد إعادة انتشار قوات الحدود وإنشاء مراكز مراقبة متقدمة، وكاميرات حرارية، ونقاط رصد ليلية، إضافة إلى الوجود المستمر للقطعات العسكرية والصحوات العشائرية.
وبحسب مسؤولين أمنيين، فإن عمليات تهريب المخدرات عبر الحدود الغربية انخفضت بشكل ملحوظ منذ 2022، نتيجة: إغلاق خطوط التهريب التقليدية، تفعيل الجهد الاستخباري داخل عمق الصحراء، اعتماد أجهزة مراقبة حديثة، إحكام تعاون الأجهزة الأمنية والدوائر القضائية.
ويتوقع خبراء أمنيون أن تستمر محاولات "الابتكار" من قبل المهربين، خصوصاً مع الضغوط التي تواجهها الشبكات الإقليمية بعد تشديد الرقابة من جانب الدول المجاورة للعراق.
الأنبار في مواجهة "المخدرات المستوردة"
مصادر أمنية في المحافظة تؤكد أن أغلب المواد المخدرة التي تضبط في الأنبار هي مستوردة وليست مصنّعة محلياً، بينما تعتمد شبكات التهريب على إدخالها عبر الحدود بأساليب مختلفة، قبل نقلها إلى مناطق أخرى في البلاد.
ويشير ضباط في المديرية إلى أن "الطريق الغربي" كان يُستخدم سابقاً، خلال سنوات الفوضى الأمنية، كممر لشبكات تهريب دولية، لكن ذلك الواقع تغيّر جذرياً بعد 2017، خصوصاً بعد إطلاق خطط أمنية مكثفة غطت المناطق الصحراوية من الرطبة والقائم وحديثة حتى عمق الحدود.
يصف الراشد التعاون بين الأجهزة الأمنية بأنه "غير مسبوق"، موضحاً أن المديرية تنسق يومياً مع الاستخبارات العسكرية، وقيادة عمليات الأنبار، وقيادة قوات الحدود، والحشد الشعبي، وجهاز الأمن الوطني، من أجل تتبع أي نشاط غير طبيعي على طول الحدود.
ويضيف: لدينا قاعدة بيانات كاملة عن المشتبه بهم والمتورطين، ونعمل على تحديثها باستمرار، ونفذنا عمليات استباقية كثيرة منعت وصول المخدرات إلى المدن.»
في ختام مواقفه، يؤكد مدير مكافحة مخدرات الأنبار أن المحافظة "لن تكون ممراً ولا محطة" لأي نشاط يتعلق بالمخدرات، وأن كل ما يقال خلاف ذلك هو "تهويل أو معلومات غير دقيقة».
أما قيادة قوات الحدود، فشدّدت في بيانها على استمرار العمل بتكتيكات جديدة في المراقبة والرصد، وعلى جاهزية وحداتها لمواجهة أي تطور في أساليب التهريب.
ومع استمرار إحباط محاولات التسلل والتهريب، يبدو أنّ الشريط الحدودي في الأنبار يتجه نحو مزيد من التعزيز الأمني، فيما تستمر الأجهزة المختصة في مواجهة واحدة من أخطر الجرائم العابرة للحدود.
تشكل الأنبار أكبر محافظات العراق وتجاور ثلاث دول، ما جعلها تاريخياً هدفاً لشبكات تهريب المخدرات والبضائع. لكن منذ 2017 عززت القوات الأمنية وجودها عبر كاميرات حرارية ورصد جوي ودوريات صحراوية، ما أدى إلى تقليص طرق التهريب التقليدية ودفع المهربين لاستخدام أساليب غير تقليدية كالطائرات والبالونات.
سياسيةالحدود تحت الرقابة.. أمن الأنبار يفنّد مزاعم «مخازن التهريب» ويحبط بالونات محمّلة بالمخدرات على الحدود الغربية
الحدود تحت الرقابة.. أمن الأنبار يفنّد مزاعم «مخازن التهريب» ويحبط بالونات محمّلة بالمخدرات على الحدود الغربية

نشر في: 4 ديسمبر, 2025: 01:07 ص









