ميسان / رعد الرسامفي 69 معملا تقليديا لإنتاج الطابوق في ميسان هي مجموع المعامل الناشطة في المحافظة , يشكل الأطفال والمراهقون النسبة الأكبر في عدد العاملين هناك في ظروف عمل قاسية وضمن بيئة بالغة التلوث يفتقرون لأبسط الحقوق التي تنص عليها قوانين العمل ، المدى قامت بجولة على عدد من تلك المعامل للوقوف على واقع عمالة الأطفال مبتدئة بزيارة لإحدى العوائل التي يعمل أطفالها هناك.
لم تجد أم آسيا الأرملة ذات الثلاثين ربيعا أبلغ من الدموع للتعبير عن سوء حالها وحال أسرتها المكونة من 5 أطفال ، فمنذ سنوات وهي أسيرة دار متواضعة في قرية عمال معمل الطابوق التي تفتقر لأبسط الخدمات لا ماء ولا طرق ولا مجارٍ، ناهيك عن الهواء الملوث بالدخان والغبار ،وعن حالها تحدثت أم آسيا للمدى بعد أن أنهت جولة من البكاء المر " كان زوجي قبل وفاته يعمل منذ سنوات في هذا المعمل وبالكاد يوفر قوتنا وبعد رحيله خلف لي 3 بنات وولدين أكبرهم آسيا بعمر 14 سنة ، وقد دفعتنا الحاجة إلى تشغيل آسيا وأختها الأصغر للعمل بدل أبيهن المتوفى ، الأجر الذي يحصلن عليه قليل ولا يسد كل احتياجاتنا ولكن ماذا نفعل ؟ أليس ذلك أفضل من التسول واستجداء الآخرين؟ " ولم تخف أم آسيا قلقها على مصير بناتها المراهقات العاملات وسط جمع من المراهقين والشباب الذكور وأعربت عن خشيتها من تعرض بناتها للتحرش و إفساد أخلاقهن من قبل بعض العمال بحسب قولها. من خواء الداخل إلى دخان الخارج وخلال تجوالنا في المعمل دلنا أحد العاملين على آسيا وأختها اللتين كانتا تعملان في جر عربة حمار لنقل طابوق الطين المجفف أو ما يصطلح عليه بـ (اللبن، بكسر الباء) المكدس في إحدى ساحات العمل ، الى أفران الشواء ، فتاتان نحيلتان مسربلتان بالأسمال ، لم يبن من وجهيهما سوى عيون تبرق من تحت النقاب وعند السؤال عن مشاق العمل أكدت آسيا أن العمل مرهق وخطير وأخشى ما تخشاه أن ينهار جانب من كدس اللبن العالي عليهن خلال قيامهن بسحب قطع اللبن لتحميل العربة، مضيفة أنها وأختها تنهضان منذ ساعات الفجر الأولى وتلتحقان بالعمل الذي يستمر لغاية الساعة الواحد ظهرا وفي أحيان أخرى يقمن بالعمل في الوجبة المسائية التي تبدأ ظهراً وتنتهي في ساعة متأخرة من الليل مقابل اجر محدد بـ 10 آلاف دينار فقط لكليهما . آسيا وأختها اللتان تركتا المدرسة منذ ثلاث سنوات لم تخفيا رغبة وحنين جارفين لمقاعد الدراسة التي حرمتا منها بسبب اضطرارهما للعمل هنا لافتتين إلى أن هذه الأمنية تبدو حلما بعيد المنال . وفيما إذا كانتا تتعرضان للحرشة من قبل بعض العمال الذكور نفتا ذلك بشدة وقالت آسيا بحدة" شيشوفون بينا ..محمّرات ..مكحّلات .. " فيما عقبت شقيقتها " اللي يحارشنا نشج رأسه بطابوكة ".المدى التقت بعدد من هؤلاء العمال الصغار فأكد قسم كبير منهم أنه لم يدخل المدرسة قط ، فيما أشار الآخرون إلى أنهم تركوا الدراسة من الصفوف الأولى وانخرطوا في العمل بدفع من عوائلهم للمساهمة في توفير قوت أسرهم ، وعما إذا سبق وأن تعرض بعضهم لحوادث عمل أكد بشير عبد النبي /13 عاما/ أن الحوادث تحصل بين الحين والآخر مضيفا أن بعضها بسيط مثل الجروح والخدوش الناتجة عن التعثر والسقوط أثناء العمل وبعضها الآخر يتمثل بالكسور التي يتعرض لها بعض العاملين خلال تأدية الأعمال الشاقة، متابعا أن أخطر ما يتعرض له الجميع هو استنشاق الدخان المخيم على الأجواء خصوصاً في الوجبات الليلية حيث يتم اللجوء الى حرق إطارات السيارات لتوفير الإضاءة لساحة العمل والنتيجة دخان مزدوج ينبعث من مداخن المعمل و الإطارات لذا تشيع أعراض التهابات المجاري التنفسية والأمراض الصدرية بين أوساط العاملين .فيما شكت سليمة محيسن/15 عاماً/ من مشاق العمل وقلة الأجور التي لا تتعدى 5 آلاف دينار يومياً لافتة إلى أن إحدى قريباتها التي كانت تعمل هنا تعرضت لإسقاط جنينها بسبب الإجهاد وهي حاليا ترقد في البيت.وشارك جميل جار الله /26 عاماً بالحديث، مشددا أن جميع العاملين هنا لا تتوفر لديهم ضمانات ولم يحظوا بأي تأمين صحي متابعا " نحن نعمل بأجور مقطوعة ولا نتمتع بأي مخصصات خطورة رغم إننا نعمل في مكان ملوث بالدخان و إذا ما تغيب أحدنا يوما أو عدة أيام عن العمل بسبب مرض او إصابة تعرض لها جراء العمل فيتم استقطاع أجوره عن تلك الأيام " مطالبا الجهات المعنية في الحكومة إلى إلزام أصحاب المعامل بضمان حقوق العمال.
طفولة مسحوقة وضائعة فـي غابات مداخن معامل الطابوق فـي ميسان
نشر في: 27 مارس, 2011: 08:25 م