التصقت على وجهه ضمادات أخفت جزءاً كبيرا منه، وبدا وجلاً يقطع الصالة جيئة وذهاباً قبل أن يناديه صوت سكرتير العيادة "أسرِع حمودي" فهرول نحو غرفة المعاينة وهو يردد أدعية بصوت منخفض، وعندما توارى خلف الباب التفت السكرتير إلى المراجعين بابتسامة عريضة قائلا: "سيشاهد انفه بعد العملية".
خرج حمودي بعد 20 دقيقة فتسابقت عيون المنتظرين تلتهم انفه، دنا السكرتير منه وأكد أنه صار أجمل بكثير مما سبق وأيّده جمهور الحاضرين، تصافحا بحرارة ثم غادر الشاب وهو يتحسس انفه "الجديد" وعلامات الرضا بادية عليه.
كان هذا أحد المشاهد التي التقطتها عيون مراسل "نقاش" في عيادة الدكتور سعد الله الزكو أحد أشهر أخصائيي التجميل في مدينة الموصل.
وكشفت إحصائيات الأطباء المتخصصين في نينوى إقبالاً كبيراً على عمليات التجميل في الآونة الأخيرة، وهو تطوّر نوعي في حياة الموصليين يتوقع أن يستحوذ في المستقبل القريب على اهتمام كبير من المجتمع.
عيادة الدكتور الزكو تكاد لا تخلو على مدار خمسة أيام في الأسبوع من مراجعين اختلفت أعمارهم والأسباب التي دفعتهم للتواجد فيها، لكنهم يجتمعون حول غاية واحدة هي الحصول على مظهر أجمل.
الزكو عضو جمعية جراحي التجميل البريطانية وهو أول من أدخل الجراحة التقويمية إلى مدينة الموصل عام 1987، يؤكد لـ"نقاش" أن عمليات التجميل ارتفعت بنسبة 70 في المائة عنها قبل ثلاث سنوات.
ويضيف "حاليا أُجري في عيادتي المتواضعة نحو 60 عملية شهريا".
زبائن عيادات التجميل كانوا في الأمس القريب من ضحايا أعمال العنف من عسكريين ومدنيين والمواليد الجدد والأطفال الذين يعانون من التشوهات الخلقية ، فضلا عن التشوهات الناجمة عن الحروق والحوادث العرضية الأخرى.
لكن يبدو أن الوضع في أيامنا هذه بات مختلفاً، إذ انضم إلى هذا الطابور المولعون بالجمال من النساء والرجال على حد سواء. ويفسر الباحث الاجتماعي بشار المعماري هذه الظاهرة بالاستقرار الأمني النسبي الذي تشهده محافظة نينوى منذ ما يزيد على عامين، والأهم ارتفاع مستوى الدخل لدى شريحة واسعة من المجتمع خاصة موظفي الدولة، فبعد أن يطمئن الفرد إلى مصدر رزقه يلتفت إلى الأشياء الكمالية في حياته. يضيف المعماري "طبعا يضاف إلى ذلك خروج العراق من عزلته بعد عام 2003 وانفتاح شعبه على العالم عبر وسائل الاتصال المختلفة خاصة شبكات الانترنت التي انتشرت بسرعة فائقة، وأجهزة الستالايت (Receiver) الموجودة حالياً في بيوت العراقيين، وهو ما ساهم في وقوفهم على التطورات العلمية في شتى المجالات.
وفي هذا الخصوص، يلفت الدكتور الزكو النظر إلى أن معظم النساء اللاتي يجري لهن عمليات تجميل بالجراحة او الحقن بـ(البوتوكس) او بأشعة الليزر، يراجعن عيادته بناء على طلبات أزواجهن، خاصة من يتابعون البرامج التي تعرض على شاشات الفضائيات والمعنية بجمال المرأة.
ويتابع "من الواضح أيضا ارتفاع نسب عمليات إزالة التشوهات عند الأطفال في وقت مبكر، خاصة تقويم "شفة الأرنب" الواسعة الانتشار بفعل زيادة الوعي".
والغريب في الأمر هو أن غالبية من يُقبلِون على جراحة التجميل في الموصل هم من الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 18-30 عاماً، ولأنوفهم حصة الأسد في الاهتمام.
وبالرغم من التغييرات التي طرأت على المجتمع الموصلي غير أن الاعتبارات الاجتماعية ما زالت تضع قيوداً على رغبة البعض في تغيير ملامحهم.
وفي هذا السياق التقت "نقاش" شاباً أجرى مؤخراً عملية تقويم لأذنيه، ومع انه أعرب عن ثقته العالية بمظهره الجديد إلا انه تحفَظّ على ذكر اسمه خشية أن يُفتضّح أمره بين أصدقائه وأقاربه ويصبح حينها موضع سخرية وانتقاد.
يقول الشاب "أنا اليوم أكثر سعادة، وأول ما قمت به عقب العملية ذهبت إلى الحلاق وطلبت منه تسريحة شبابية، وهو ما حُرمت منه من قبل بسبب أذنيّ".
اعتماداً على ما سبق من معطيات، يتوقع المعنيون بالشأنين الطبي والاجتماعي تعاظم الحاجة إلى مستشفيات ومراكز التجميل التخصصية على المدى القريب والمتوسط، خاصة وأن شعبة الجراحة التجميلية والحروق في المستشفى الجمهوري محدودة الإمكانات، حيث أن عملها منصّب على تشوّهات الحروق، فيما تفتقر العيادات الخاصة إلى أجهزة طبية متطوّرة وكوادر تمريضية مدرّبة.
وإذا علمنا أن أخصائيي الجراحة التقويمية في نينوى التي يسكنها ثلاثة ملايين ومائتي ألف نسمة لا يتجاوزن عدد أصابع اليد الواحدة، ويعملون في إطار إمكانات بسيطة بالاعتماد على جهود ذاتية، فان الكثير من طلبة كليات الطب يتطلعون إلى التخصص في هذه المهنة الواعدة.
هذا ما بدأ يتحقق بالفعل، فمن المقرر أن ينهي قريبا ستة أطباء دراستهم العالية في جراحة التجميل من كلية طب الموصل.
*عن موقع نقاش