ثائر صالح
احتفلت أكاديمية الموسيقى في بودابست هذا العام بالذكرى الخمسين بعد المئة لتأسيسها في 14 تشرين الثاني 1875 بخمسة أساتذة و38 طالباً. وتُعرف اليوم الأكاديمية الوطنية الملكية للموسيقى التي أسسها البرلمان المجري وأسند رئاستها إلى الموسيقار المجري فرانس ليست (1811 - 1886) بجامعة فرانس ليست للفنون الموسيقية، بعد أن كانت تعرف بأكاديمية فرانس ليست للموسيقى حتى سنوات خلت.
عاشت بودابست في تلك الفترة مرحلة تطور هائل بعد توحيد ثلاثة مدن لتكوين بودابست الحديثة في 1873. فقد دمجت مدن ݒَشت وبودا وأوبودا (بودا القديمة كناية عن جذورها التي تعود إلى زمن الحكم الرومي). جرى ذلك بالتزامن مع “المصالحة” بين الارستقراطية المجرية والإمبراطور النمساوي فرانس يوزف بعد قمعه لثورة 1848 المجرية التحررية. وقد انتقل فرانس ليست إلى بودابست في تلك الفترة وكان يعطي الدروس لطلبة الأكاديمية التي لم تكن تمتلك بناية خاصة بها بعد في مختلف بنايات بودابست ـ وحتى في شقته الخاصة. البناية الحالية هي الثالثة في تاريخ الأكاديمية، افتتحت سنة 1907 وهي بناية بالغة الجمال شيدت على طراز الفن الحديث.
نظّم الموسيقار المجري فرنس أرْكَل (1810 - 1893) الذي عُيّن مديراً للأكاديمية أقسامها باقتصاد شديد بسبب ضعف ميزانيتها آنئذ، فاقتصرت على الأقسام الحيوية في البداية، مما جعل فرانس ليست يتردد في المضي في مهمته التي وصفها “الموارد المخصصة غير كافية وينقصنا عدد من الزملاء العاملين الذين نحتاجهم…؛ ورغم كل التفاني الذي أبذله لا أستطيع تحمل أعباء مهمّة تفوق طاقتي…».
مضت الأكاديمية في طريقها رغم البداية الصعبة، ليتخرج منها كبار الموسيقيين العالميين مثل المؤلفين المعروفين على صعيد عالمي مثل بيلا بارتوك وزولتان كوداي وأرنو دوهناني وإمره كالمان وينو ڤاينر، وعازفين مهرة مثل جورج تسيفرا وآني فيشر وزولتان كوچيش وسير أندراش شِف، وقادة أوركسترا كبار مثل أنتل دوراتي ويانوش فَرَنچيك وينو (يوجين) أورماندي وسير جورج شولتي. وهي اليوم في طليعة الجامعات الموسيقية العالمية يدرس فيها طلاب من كل أنحاء العالم، وقد سبق أن درس فيها عدد كبير من الموسيقيين العراقيين بينهم منير بشير وحسين قدوري، وأرسلت مدرسة الموسيقى والباليه الكثير من خريجيها للدراسة فيها لاحقا.
نظمت الأكاديمية بعض الأمسيات الموسيقية احتفاءاً بالمناسبة اليوبيلية، بدأتها يوم 14 تشرين الثاني الماضي بحفل كبير لفرقة الأكاديمية السيمفونية ببرنامج مجري بدأته بعمل فرانس ليست القصيدة السيمفونية المقدمات، وكونشرتو الكمان لبارتوك وعملين آخرين يقدم أحدهما لأول مرة ألفه ماتي بَلّا خصيصاً بهذه المناسبة. كما قدمت حفلة مشتركة لأساتذة الأكاديمية وأساتذة مدرسة موسيقى جاكوبز في جامعة إنديانا - بلومنگتون الأمريكية، سنحت لي فرصة حضورها أثناء زيارة أخيرة لبودابست. قدم الأساتذة خلالها عملين قياسيين هما خماسية الكلارينيت في سي الصغير من تأليف يوهانس برامز، وخماسية شوبرت الشهيرة باسم خماسية السلمون (بالألمانية Forellenquintett). وقدمت الأمسية في القاعة الصغيرة المسماة صالة شولتي تقديراً للمايسترو الكبير سير جورج شولتي.
موسيقى الاحد: قرن ونصف على تأسيس أكاديمية
الموسيقى في بودابست

نشر في: 7 ديسمبر, 2025: 12:01 ص








