TOP

جريدة المدى > عربي و دولي > كيف يُغذّي الحكم العسكري الباكستاني نضال بلوشستان من أجل الحرية ؟

كيف يُغذّي الحكم العسكري الباكستاني نضال بلوشستان من أجل الحرية ؟

نشر في: 7 ديسمبر, 2025: 12:26 ص

ترجمة عدنان علي
بلوشستان أرضٌ خاضعةٌ لسيطرة باكستان وجيشها، وهي مكانٌ شكّلت فيه العسكرة الحياة اليومية لأجيال، وأصبحت انتهاكات حقوق الإنسان سمةً مُميّزةً لوجود الدولة. تصف المجتمعات في جميع أنحاء الإقليم واقعًا يتسم بالاختفاء القسري والعقوبات الجماعية ونقاط التفتيش العسكرية والمراقبة التي تؤثر على كل شيء، من التنقل إلى سبل العيش. بالنسبة للعديد من البلوش، لا يقتصر الشعور على أنهم محكومون من قِبَل مركزٍ بعيد، بل أنهم يعيشون تحت سيطرة قوة احتلال.
في 2 ديسمبر 2025، أعلنت إحدى هذه الجماعات مسؤوليتها عن عدة عمليات في جميع أنحاء الإقليم. وشملت هذه الحوادث انفجار عبوة ناسفة بدائية الصنع في ماستونغ، وإعدام شخصٍ اتُهم بالتجسس لصالح الجيش الباكستاني في بنجكور، وهجومًا بقنبلة يدوية على موقع عسكري في كيش. في حين أن الأعمال المسلحة تُطيل دائرة العنف لا محالة، فإن أنصار القضية البلوشية غالبًا ما يعتبرونها جزءًا من حركة مقاومة أُجبرت على التشدد بسبب غياب الحيز السياسي والتهديد الدائم بالانتقام العسكري. لم تكن هذه الهجمات أحداثًا معزولة، بل جزءًا من نمط أوسع تصاعد طوال عام ٢٠٢٥. ومن أبرز حوادث عام ٢٠٢٥ حادثة اختطاف قطار جعفر إكسبرس في وقت سابق من العام، وهي حادثة هزت البلاد ولفتت انتباهًا دوليًا. قُتل عشرات الركاب، وسلّطت عملية الإنقاذ الفوضوية الضوء على عدم استعداد الدولة رغم سنوات من جهود مكافحة التمرد.
في أشهر أخرى، استهدفت هجمات في جوادر وبنجكور وكيش وكوهلو منشآت عسكرية ووحدات دوريات وبنية تحتية مرتبطة بمشاريع تنموية مدعومة من الدولة. وأعقب كل هجوم النمط المألوف من العمليات العسكرية المكثفة، مما أدى بدوره إلى تعميق المخاوف والاستياء لدى السكان المحليين. بالنسبة للعديد من البلوش، لا تكمن جذور الصراع في الهجمات نفسها، بل في التاريخ الطويل من الإقصاء والاستغلال. بلوشستان هي أكبر مقاطعة من حيث المساحة، ومن أغنى المقاطعات بالموارد الطبيعية، ومع ذلك فهي لا تزال الأفقر في مؤشرات التنمية. ساهم الغاز المستخرج من سوي في دعم التصنيع في باكستان لعقود، لكن المجتمعات البلوشية لم تحصل على عائدات كافية ولا على خدمات أساسية. ولا تزال الديناميكية نفسها قائمة حتى اليوم: يُستخرج النحاس والذهب ومعادن أخرى من خلال صفقات تُعتبر محليًا استغلالية، وقد عززت المشاريع الضخمة المرتبطة بالممر الاقتصادي الصيني الباكستاني الاعتقاد بأن جهات خارجية تستفيد بينما يعيش سكان البلوش تحت رقابة الجيش. يُصوّر الجيش الباكستاني وجوده كقوة استقرار، مدعيًا أنه يحمي التنمية ويجلب الأمن إلى منطقة مضطربة. لكن بالنسبة للعديد من العائلات، يُمثّل الزي الرسمي الخوف بدلًا من النظام. وقد وثّق النشطاء وجماعات حقوق الإنسان منذ فترة طويلة تقارير عن حالات اختفاء، حيث يختفي الطلاب والمعلمون والمزارعون والناشطون السياسيون دون تفسير. في بعض الحالات، تُعثر على الجثث لاحقًا ملقاة في مناطق نائية؛ وفي حالات أخرى، يظل المعتقلون في عداد المفقودين، مما يترك العائلات في حالة من عدم اليقين لا نهاية لها. يتحدث القرويون عن مداهمات ليلية ومضايقات مُستهدفة واعتقالات تعسفية تجعل الحياة العادية غير قابلة للتنبؤ وهشة. يُحذّر القادة المحليون من أن أساليب الجيش القاسية تأتي بنتائج عكسية، حيث تدفع الشباب المُحبط نحو التشدد من خلال القضاء على السبل السلمية للتعبير عن المظالم السياسية.
أكدت هجمات يوم الثلاثاء هذه الدورة من جديد. ففي ماستونغ، أفادت التقارير أن انفجار العبوة الناسفة استهدف دورية، مما أدى إلى ساعات من تطويق الشوارع وعمليات تفتيش مكثفة. وفي بنجكور، أثار إعدام المخبر المزعوم مخاوف من أعمال انتقامية. وفي كيش، أعقب الهجوم بالقنابل اليدوية على موقع عسكري عمليات مراقبة بطائرات بدون طيار وزيادة في التحركات العسكرية في القرى المحيطة. وتحدث سكان هذه المناطق عن اضطراب الحياة اليومية، وإغلاق المدارس، والصمت المتوتر الذي يصاحب عادةً عمليات نشر الجيش واسعة النطاق.
تقف بلوشستان اليوم عند مفترق طرق شكلته مآسي عام 2025 ومقاومته. وهجمات يوم الثلاثاء ليست سوى فصل واحد من سردية أوسع: قصة شعب يشعر بالاحتلال والتهميش وسلب مستقبله. تواصل الدولة الباكستانية الاعتماد على القوة، معتقدةً أن القوة العسكرية وحدها قادرة على قمع حركة ولدت من رحم الظلم التاريخي. ولكن كلما شددت قبضتها، زاد عزلة البلوش، وابتعدت المنطقة عن أي حل ذي معنى. إلى أن تُقرّ الدولة بأنّ السلام لا يُفرض تحت تهديد السلاح، وأنّ شعب بلوشستان يجب أن يكون له الحق في تقرير مصيره السياسي، سيستمرّ الصراع. سيستمرّ النضال من أجل الحرية، سواءً عبر النشاط السياسي أو المقاومة المسلحة، في استمداد القوة من واقع القمع المُعاش. وكلّ حادثة جديدة - كالهجمات التي شُنّت يوم الثلاثاء الماضي - ستُذكّر بأنّ إقليمًا غنيًّا بالثقافة والتاريخ والموارد لا يزال عالقًا في صراعٍ لا يُغذّيه فقط المسلحون، بل أيضًا قبضة الجيش الثقيلة التي تدّعي استعادة النظام بينما تُعمّق جراح شعبها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

إيران تُبطئ خطواتها تجاه سوريا الجديدة.. مراقبة دقيقة وخطة ثلاثية

كييف: مفاوضات وقف الحرب مع روسيا ليست سهلة!

واشنطن تعيد رسم نفوذها الاقتصادي في أمريكا اللاتينية

الأمم المتحدة تدعو لمحاربة الاتجار بالبشر وتجنيد الأطفال في السودان

بابا الفاتيكان يزور لبنان وسط توترات أمنية بين حزب الله وإسرائيل

مقالات ذات صلة

كيف يُغذّي الحكم العسكري الباكستاني نضال بلوشستان من أجل الحرية ؟

كيف يُغذّي الحكم العسكري الباكستاني نضال بلوشستان من أجل الحرية ؟

ترجمة عدنان علي بلوشستان أرضٌ خاضعةٌ لسيطرة باكستان وجيشها، وهي مكانٌ شكّلت فيه العسكرة الحياة اليومية لأجيال، وأصبحت انتهاكات حقوق الإنسان سمةً مُميّزةً لوجود الدولة. تصف المجتمعات في جميع أنحاء الإقليم واقعًا يتسم بالاختفاء...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram