ذي قار / حسين العامل
كشفت أوساط المتظاهرين في ذي قار عن تعرّض 300 متظاهر وناشط مدني في المحافظة لملاحقات أمنية وقضائية وفق المادة 197 من قانون العقوبات العراقي لسنة 1969، التي تنص عقوبتها على الإعدام أو السجن المؤبد، داعيةً إلى الحد من استغلال القضاء لتصفية الحسابات السياسية.
ويأتي ذلك إثر انطلاق حملة أمنية وصدور أوامر ضبط قضائي بحق عدد من ناشطي القوى المدنية ومرشحيها في الانتخابات الأخيرة، من بينهم الأمين العام لحزب البيت الوطني العراقي حسين الغرابي، ومرشح تحالف البديل في ذي قار نصير باسم، ورئيس حركة «شروع» أحمد الوشاح وآخرون.
وقال الوشاح في حديث لـ«المدى» إن «استهداف الناشطين والمتظاهرين كان يجري في السابق بأسلحة كاتم الصوت وبالقمع المفرط، كما حصل في تظاهرات تشرين»، مضيفاً أن «قوى السلطة، وبعد الضغوط الدولية على الحكومة العراقية، لجأت حالياً إلى أسلوب آخر من القمع عبر استخدام مطرقة القانون وتقارير المخبر السري لتصفية الحسابات السياسية».
وتابع رئيس حركة «الشروع» أن «الاستهداف المقصود والكيدي لم يعد يستثني أحداً، فالجميع بات مشمولاً، سواء كان ناشطاً مدنياً أو أمين عام حزب مثل حسين الغرابي»، مشيراً إلى أنه «شخصياً ملاحق وفق المادة 197 التي تصل عقوبتها إلى الإعدام أو السجن المؤبد».
وكشف الوشاح عن تفعيل هذه المادة لملاحقة 300 ناشط ومتظاهر في محافظة ذي قار وحدها، لافتاً إلى اعتقال 20 منهم في مطار بغداد قبل عدة أشهر والإفراج عنهم لاحقاً، إضافة إلى اعتقال ناشطين آخرين في الناصرية.
وتحدث الوشاح عن مضمون المادة 197، مبيناً أنها «تعاقب من يقوم بحرق أو تخريب الدوائر الحكومية والممتلكات العامة»، معرباً عن استغرابه من تفعيلها حالياً، متسائلاً: «هل شهدت المحافظة مؤخراً عمليات حرق أو تخريب؟».
وأضاف أن «ذي قار لم تشهد خلال السنوات الخمس الأخيرة أي تصعيد في هذا المجال، وما حصل في الأشهر الأولى من تظاهرات تشرين 2019 من أعمال حرق لم يستهدف الدوائر الحكومية، بل مقرات الأحزاب المتورطة بالفشل والفساد، وهذه الأحزاب لم تقدّم شكوى ضد المتظاهرين»، لافتاً إلى أن «المتورطين بتلك الأعمال تمت محاسبتهم في حينها وحُسم الملف قضائياً»، مستذكراً صدور حكم بالسجن لمدة عشر سنوات على أحد الناشطين.
وأعرب الوشاح عن استغرابه من إعادة فتح هذا الملف بعد مضي ست سنوات على انطلاق التظاهرات «المعبّرة عن الإرادة الشعبية».
ويرى رئيس حركة «الشروع» أن «مظاهر العنف أمر وارد في الفعاليات الاحتجاجية، ولا يقتصر على التظاهرات العراقية، بل يشمل الحركات الاحتجاجية في دول العالم، من بينها دول متقدمة كفرنسا»، مضيفاً أن «تظاهرات تشرين غادرت هذه الحالة بعد شهرين من انطلاقها وواصلت نهجها السلمي الواضح».
وتحدث الوشاح عن تزامن انطلاق الحملة الأمنية والملاحقات القضائية مع الانتخابات البرلمانية الأخيرة، موضحاً: «كنا نتوقع مثل هذه الحملة ضد القوى المدنية، ولاسيما بعد الإعلان عن نتائج الانتخابات»، معرباً عن أسفه «لاستخدام القضاء لتصفية الحسابات السياسية».
واستطرد قائلاً: «كنا نأمل أن يجري تفعيل القانون لملاحقة قتلة المتظاهرين ومحاسبة المتورطين في خطف وتغييب الناشطين وإنصاف ضحايا القمع، لا لملاحقة المتظاهرين السلميين».
وكانت نخب أكاديمية وثقافية قد حذّرت مطلع كانون الأول 2025 من الانقلاب على مبادئ الدستور والانزلاق نحو هاوية الاستبداد، وذلك ضمن مبادرة «عراقيون»، التي دعت إلى الحد من الدعاوى التي يقيمها مقرّبون من السلطة أو يحرّكها مخبرون سريون ضد أصحاب الرأي من الناشطين والإعلاميين وقادة الأحزاب المعارضة، مستخدمين قوانين موروثة من النظام الدكتاتوري السابق.
وفي الأول من كانون الأول الجاري، حذّر ناشطون مدنيون وقوى سياسية من بوادر حملة وصفوها بـ«الممنهجة» لاستهداف وإسكات القوى المدنية عبر دعاوى كيدية تعتمد تقارير «المخبر السري»، مشيرين إلى أن تزامن هذا التصعيد مع نتائج الانتخابات يدخل ضمن «مخطط يستهدف القوى المدنية المعارضة التي خسرت الاستحقاق الانتخابي».
وكان حزب البيت الوطني قد أصدر بياناً استنكر فيه ما يتعرض له أمينه العام، وجاء فيه أن «البيت الوطني يعرب عن استغرابه واستنكاره الشديدين إزاء صدور مذكرة قبض بحق أمينه العام، حسين الغرابي، في خطوة نعدّها استهدافاً واضحاً لصوت وطني حر اختار الوقوف مع الشعب والدفاع عن حقوقه الدستورية».
وتداولت وسائل الإعلام يوم 29 تشرين الثاني المنصرم والأيام التالية خبر صدور أمر ضبط قضائي بحق الأمين العام لحزب البيت الوطني العراقي حسين الغرابي. وقال الغرابي حينها لـ«المدى» إن «مذكرة إلقاء القبض صادرة من محاكم الناصرية وفق المادة 197 بحسب ما أُبلِغت»، مضيفاً أن «المادة تتعلق بحرق مؤسسات الدولة لغرض إسقاط نظام الحكم»، ومبيناً أن «صدور الأمر القضائي جاء بناءً على بلاغ من دائرة الاستخبارات ووفق معلومات المخبر السري».
وفي 3 كانون الأول الجاري، كشف الغرابي عن طبيعة التهم الموجّهة له بعد مثوله أمام القضاء في محكمة استئناف ذي قار والإفراج عنه بكفالة ضامنة.
وتنص المادة 197 من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 على أنه «يعاقب بالإعدام أو السجن المؤبد كل من خرّب أو هدم أو أتلف أو أضرّ إضراراً بليغاً عمداً مباني أو أملاكاً عامة أو مخصّصة للدوائر والمصالح الحكومية أو المؤسسات أو المرافق العامة أو للجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام أو منشآت النفط أو غيرها من منشآت الدولة الصناعية أو محطات القوة الكهربائية والمائية أو وسائل المواصلات أو الجسور أو السدود أو مجاري المياه العامة أو الأماكن المعدّة للاجتماعات العامة أو لارتِياد الجمهور أو أي مال عام له أهمية كبرى للاقتصاد الوطني، وذلك بقصد قلب نظام الحكم المقرّر بالدستور».
ملاحقات وفق «المادة 197» تطال 300 متظاهر وناشط مدني في ذي قار

نشر في: 7 ديسمبر, 2025: 12:27 ص








