بغداد/ تميم الحسن
تحوّلت ما عُرف بـ"فضيحة الوقائع" إلى منصة للهجوم على رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد شياع السوداني، وإلى ذريعةٍ متداولةٍ لمنعه من الترشح لولاية ثانية.
واعتبرت فصائلُ مسلّحة وقوى سياسية - بين تصريحات مباشرة وأخرى تحمل تلميحات واضحة - أن "خطأ الوقائع"، وفق التوصيف الرسمي، يمثّل عمليًا إعلانًا عن نهاية مشروع السوداني السياسي.
وتشير تقديراتٌ سياسية في بغداد إلى أن ضغوطًا إيرانية كانت وراء تراجع الحكومة عن إدراج "حزب الله" اللبناني و"الحوثيين" على قوائم الإرهاب، بعد أن ظهرت أسماؤهم بالفعل في النسخة المنشورة من "الوقائع العراقية".
ويؤكد سياسي عراقي مطّلع أن هذا التراجع يعكس حجم التشابكات الإقليمية التي تتحكم بالقرار العراقي، ويضع الحكومة في موقعٍ حرجٍ بين التزاماتها الخارجية وحساباتها الداخلية.
وكانت جريدة الوقائع العراقية نشرت يوم الخميس الماضي قائمة تضم 100 كيان وشخص على ارتباط بالإرهاب، من بينهم "حزب الله" و"الحوثيون"، مما أثار أزمةً سياسيةً حادّة، قبل أن تتراجع الحكومة وتصف الأمر بأنه "خطأ فني" نُشر قبل المراجعة.
هجوم.. وتبرير
وعلى الفور سارعت حركة النجباء إلى وصف الإجراء بأنه "خيانة". وقال رئيس مجلسها السياسي علي الأسدي، في منشورٍ على منصة "إكس"، إن نشر القائمة يمثّل "إهانة لتضحيات الشهداء"، مضيفًا أن إدراج الجماعتين اللتين "قاتلتا في العراق" هو "تجاوز على إرادة الملايين"، قبل أن يختم بأن "هذه الحكومة لا تمثل الشعب العراقي"، مستخدمًا وسمًا اعتبره المراقبون تلويحًا بإنهاء أي فرصةٍ لولاية ثانية لمحمد شياع السوداني.
وجاء الهجوم بعد أيام من تصريحات للرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، قال فيها إن رئيس الوزراء العراقي رشّحه لنيل جائزة نوبل للسلام عقب "تحسّن العلاقات بين بغداد وواشنطن". وردّ السوداني عبر "إكس"، مؤكدًا أنه يسعى لبناء "صداقات" تخدم العراق، في ما بدا محاولة لتأكيد مسار الانفتاح على الولايات المتحدة.
واتسعت دائرة الانتقادات داخل القوى الشيعية؛ إذ كتب ياسر صخيل، رئيس "حركة البشائر" وصهر نوري المالكي، تعليقًا مقتضبًا: "إكرامُ الميّت دفنُه"، في إشارة إلى نهاية ولاية السوداني. وهاجم رئيس حركة حقوق، حسين مؤنس، الحكومة بوصفها "مرتعشة وتابعة"، معتبرًا أن قرار الوقائع يعكس "غياب الكرامة".
في المقابل، اندفعت الحكومة لاحتواء الموقف سريعًا؛ فنفى البنك المركزي إصدار أي قرار يستهدف أصول الجماعتين، بينما أكدت لجنة تجميد الأموال أن القائمة المنشورة "غير مكتملة"، وأن الأسماء كان يُفترض أن تقتصر على جهات مرتبطة بالتنظيمات المدرجة دوليًا مثل "داعش" و"القاعدة". ووصف مستشارُ رئيس الوزراء، بهاء الأعرجي، ما جرى بأنه "خطأ فني"، مشددًا على أن موقف العراق "لا يُزايد عليه".
توريط العراق
لكن الجدل لم يهدأ؛ فالواقعة انفجرت في لحظة يشتد فيها الضغط الأميركي على بغداد لاتخاذ إجراءات ضد الفصائل المسلحة، بالتزامن مع مفاوضات شاقة بين القوى الشيعية لاختيار رئيس الحكومة المقبل. وعلّقت وزارة الخارجية الأميركية على التطورات بلهجة حادة، قائلة إنها "محبطة" من تراجع العراق عن القرار، ومشددّة على ضرورة اتخاذ "خطوات عملية" لضمان عدم استغلال أراضيه من قبل الجماعات المرتبطة بإيران لـ"التدريب أو التمويل أو شن الهجمات".
وفي سياقٍ متصل، أكد السياسي المستقل والنائب السابق مثال الآلوسي، أن حكومة محمد شياع السوداني تسعى إلى الاصطفاف مع الرؤية الأميركية، إلا أن التهديد الذي يمثله "حزب الله" اللبناني عبر الفصائل العراقية يتجاوز قدرة الحكومة على مواجهته أو تحمّله. وأضاف الآلوسي في تصريح لـ(المدى): "بسبب هذا الموقف، تؤكد بغداد رسميًا أن العراق ولبنان يشكلان أمام إسرائيل ساحةً واحدةً ووحدةً واحدة، وأن إسرائيل لها الحق في وضع الفصائل العراقية ضمن بنك الأهداف لأي هجوم إسرائيلي محتمل على لبنان أو إيران".
وأشار النائب السابق إلى أن خضوع بغداد للضغوط الإيرانية "يسرّع ويورّط العراقيين في حروبٍ خطيرة"، محذرًا من الانزلاق مجددًا إلى صراعات إقليمية لا قدرة للعراق على مواجهتها. وأضاف الآلوسي أن "الأفضل للإطار التنسيقي أن يقدّم نفسه عمليًا كقوة سياسية عراقية مستقلة، لا تتحالف مع الفصائل في العراق أو لبنان، وأن يقدّم نفسه كقوة عراقية خالصة، لا كامتداد للنفوذ الإيراني".
احتجاجات.. ونشر معلومات
بالمقابل، تداولت منصات إعلامية قريبة من الفصائل المسلحة صورًا ومعلومات عن موظفين قالت إنهم المسؤولون عن إعداد ونشر "لائحة الوقائع".
ولفت مراقبون إلى أن نشر هذه المعلومات يرفع من مستوى التوتر ويضع الموظفين أمام تهديدات محتملة، ما يضاعف الضغط على الحكومة ويزيد من تعقيد الأزمة.
وكان قد خرج المئات من أنصار الفصائل المسلحة في بغداد احتجاجًا على قرار الحكومة العراقية الأخير بتجميد أصول جماعة أنصار الله اليمنية و"حزب الله" اللبناني. وطالب المحتجون السلطات بـ"الإسراع في معاقبة من يقفون وراء إصدار هذا القرار".
وانطلق التجمع من شارع فلسطين، مرورًا بشوارع رئيسية في العاصمة، وصولًا إلى ساحة أمام مبنى وزارة العدل، الجهة الرسمية التي تصدر عنها جريدة الوقائع العراقية، والتي نشرت القرار المثير للجدل، ثم انتقلوا إلى شبكة الإعلام.









