واسط / جبار بچاي
يُصنّف مشروع الدجيلة الزراعي الصناعي الذي نُفِّذ في محافظة واسط من قبل الشركات الأجنبية المتخصصة سبعينيات القرن الماضي أنه أكبر المشاريع ذات التكامل في الإنتاج الزراعي الصناعي، بمساحة تبلغ مليون دونم تحتوي على عدة معامل متخصصة بالصناعات الغذائية سيما ما يتعلق بالإنتاج النباتي والحيواني، أهمها محطتان للأبقار بطاقة خمسة آلاف رأس ومعامل للحليب ومشتقاته إضافة إلى معامل لتعليب اللحوم وأخرى لتصنيع الأعلاف.
حلم العراق الكبير الذي كان مخطّطًا له توفير عشرة آلاف فرصة عمل تحوّل اليوم إلى ساحة خراب واندثرت معالمه وما بقي منه أطلال لمنظومة سقي كانت تعمل إلكترونياً وقنوات للري والبزل أكلها القصب والبردي حتى اندثرت كلياً، فيما اختفت أبقار الهولشتاين والفريزيان التي كانت ترفد معامل مشتقات الحليب بعدة أطنان من الحليب يومياً إضافة إلى اللحوم التي كانت ترفد أسواق محافظة واسط والعاصمة بغداد.
عن المشروع وأهميته وكيف أصبح الآن يقول مستشار محافظ واسط لشؤون الزراعة والمياه والمدير الأسبق لدائرتي الزراعة والموارد المائية في المحافظة، علي حسين حاجم إن “مشروع الدجيلة الزراعي الصناعي يمر الآن بمأساة لا مثيل لها بعد أن طاله الإهمال حتى تحوّل إلى ضيعة بيد المتنفذين العابثين.”
وأضاف: “يُصنَّف مشروع الدجيلة الزراعي الصناعي في محافظة واسط أول مشاريع الاستصلاح التي خُطِّط لها ونُفِّذت من قبل مجلس إعمار الخمسينات بمساحة تصل إلى مليون دونم تم تخفيضها في سبعينات القرن الماضي واستُبعدت منها مساحة 250 ألف دونم خشية تعرّضها للإغمار بمياه هور الخراب المعروف بمجرى المصندك نتيجة ارتفاع مناسيب دجلة وتصاعد الموجات الفيضانية سابقاً.”
وذكر أن “المساحة المتبقية من المشروع تم استصلاحها بصورة كاملة وقسم قليل منها استُصلِح جزئياً بمساحة مرورية بحدود 500 ألف دونم بعد استبعاد مساحات السكن والخدمات وشبكات الري والبزل المنفذة في المشروع.”
مشيراً إلى أن “المشروع كان مخطّطًا له توفير عشرة آلاف فرصة عمل مختلفة ويعتاش عليه ٢٥٪ من سكان محافظة واسط خاصة سكان المناطق المحاذية للمشروع.”
وأوضح حاجم أن “المشروع يحتوي على شبكات للري والبزل وقنوات ونواظم ومحطات ضخ تعمل إلكترونياً لإرواء أراضي المشروع المخصصة لزراعة محصول القمح بالدرجة الأساس إضافة إلى المحاصيل الاستراتيجية الأخرى مثل الذرة الصفراء وزهرة الشمس وغيرها من المحاصيل والمخاليط العلفية المخصصة للأبقار.” وقال إن “الجانب التصنيعي يكمن بوجود محطتين للأبقار ذات الأصناف العالمية العالية في إنتاج الحليب واللحوم مثل الهولشتاين والفريزيان وواحدة للأغنام ومعامل للحليب ومشتقاته وأخرى لتصنيع الأعلاف والمكملات الغذائية حيث أُنجِزت كامل البنى التحتية الخاصة بمحطات الأبقار وتشغيل إحداها التي رفدت السوق المحلية بكميات كبيرة من الحليب بالذات إلى معامل ألبان أبو غريب في بغداد وبشكل يومي.”
وذكر أن “المحطة الثانية للأبقار بلغت نسبة التنفيذ فيها 30% لكن كلتا المحطتين توقفتا واندثرت معالمهما بسبب التلكؤ من قبل الشركة العراقية الأردنية المالكة للمحطات والظروف التي مر بها البلد إضافة إلى الفساد الذي نخر كل شيء في البلد ولم تسلم منه حتى الثروة المائية.”
ودعا وزير المائية إلى “زيارة المشروع والوقوف على أسباب توقفه وانهيار النظم الإلكترونية الخاصة بتشغيل منظومة الري فيه، فأصبح يعاني من مشاكل كثيرة منها ما يدركه وزير الموارد المائية وأخرى مغطاة من قبل حماة الخراب.”
يقول علي حسين حاجم: “إجمالي المساحة المروية التي تقدمها دوائر الري عن المشروع بحدود 200 ألف دونم من أصل مساحة المشروع المروية البالغة 500 ألف دونم والتي تُخصص لها الحصة المائية من قبل الجهات المعنية بملف المياه في البلاد، وهنا تكمن واحدة من أهم المشاكل وهي التصرّف بالمياه بصورة عشوائية نفعية ليس على حساب أراضي المشروع.”
مؤكداً أن “الدوائر الزراعية تساهم في تفاقم المشكلة وتدّعي أن بعض العقود الزراعية الواقعة ضمن حدود إرواء المشروع لا يمكن تجديدها لعدم توفر الحصة المائية لها وهي ضمن حدود إرواء المشروع، وتزوّد الجهات المعنية بمساحات لا تمثل سوى ٤٠٪ تقريباً من مساحة المشروع الحقيقية.”
وأوضح أن “جميع المنشآت التنظيمية داخل شبكة ري المشروع معطّلة والأكثر من ذلك تم استبدال نظام الري من النظم الإلكترونية إلى الري السيحي فعمت الفوضى وتم نصب محطات ضخ معظمها غير مرخصة من الري ومضخات أخرى تم نصبها من قبل جهات نافذة ما تسبب بزيادة الفوضى والإهمال للمشروع.”
وذكر أن “حكومة واسط المحلية بحّ صوتها من كثرة المطالبات لتنظيم توزيعات المياه في المشروع وإصلاح منشآته لكن دون جدوى، فالمشروع لم يستلم حصته المائية وحتى باعتماد المعايير الحالية الخاصة بالعَوَز المائي والتي يجب أن لا تقل عن ٦٠٪ من الحصة المقررة لمشروع الإسحاقي في محافظة صلاح الدين بعد مقارنة مساحات المشروعين.”
وقال: “على وزير المائية الاهتمام جدياً بمشروع الدجيلة الزراعي الصناعي وتأمين الحصص المائية الكافية له وأن تكون له إدارة متكاملة وليس شعبة صغيرة للموارد المائية لا تملك صلاحية شراء قلم.” مؤكداً “وجود كوادر هندسية وفنية في محافظة واسط قادرة على إحياء المشروع وإعادته إلى وضعه السابق لكن هذه الكوادر لم تُمنح الفرصة المناسبة لتأخذ دورها عملياً.”
كاشفاً عن أن “الوزارة سبق وأعلمت الحكومة المحلية في واسط قبل ثلاث سنوات أنها شكّلت لجاناً لتطوير المشروع. لكن دون نتيجة، لذلك فالأهالي يناشدون لاحتساب حقوقهم المائية والعمل على تأهيل وتطوير المشروع الذي أكله الخراب بعد أن كان حلماً عراقياً كبيراً في تأمين الإنتاج النباتي والحيواني لمحافظة واسط وللعراق.










