TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العراق إلى أين ؟؟

العراق إلى أين ؟؟

نشر في: 8 ديسمبر, 2025: 12:11 ص

فرات المحسن

اثر انهيار حكم حزب البعث عام 2003 أصبح العراق فجأة يخضع لاستعمار عسكري مباشر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وسُلمت مقدرات وإدارة البلد إلى القوات الأمريكية مباشرة وتحت عنوان سلطة الائتلاف المؤقتة. وفي 12 مايو 2004 شُكل مجلس للحكم بوصاية ورئاسة بول بريمر ومُنح بموجب تلك الوصاية صلاحيات واسعة كمندوب منتدب لإدارة شؤون العراق السياسية والاقتصادية والثقافية، لحين مغادرته المنصب بانتهاء مهام تلك الإدارة وحل أعمالها بتاريخ 28 يونيو 2004 لينقل تكليف إدارة البلد لحكومة مؤقتة برئاسة السيد إياد علاوي الذي ترأس الحكومة العراقية المؤقتة في نفس يوم انتهاء سلطة الائتلاف، وأصبحت مهام وزارة السيد علاوي إدارة شؤون البلد والتحضير للانتخابات بتوصية من الأمم المتحدة وبرعاية السيد الإبراهيمي. انتهت ولاية السيد علاوي باستلام السيد إبراهيم الجعفري للسلطة إثر انتخاب الجمعية الوطنية الانتقالية التي أقيمت في 30 كانون الثاني 2005، وبعد ظهور نتائج الانتخابات، شُكلت الحكومة العراقية الدائمة الأولى برئاسة السيد نوري المالكي.
في جميع تلك المراحل من عمر السلطة العراقية كانت القرارات تخضع لاشتراطات أطراف عديدة مثل الطرف الدولي فيها، المستعمر الولايات المتحدة الأمريكية وحليفته بريطانيا. أما الجانب الإقليمي فكانت الغلبة فيه للجارة إيران صاحبة النفوذ في الوسط السياسي والاجتماعي، ولم يخلو المشهد من أدوار فاعلة لبلدان أخرى مثل المملكة العربية السعودية وقطر وتركيا والأردن وغيرها. وكانت تلك الرؤى والرغبات تفرض وتُمرر على السلطات في العراق.
في ولاية السيد المالكي الأولى، وتحديدا في تشرين الثاني من عام 2008، تم التوقيع على اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين العراق والولايات المتحدة، وهي اتفاقية ثنائية طويلة الأمد لم تقتصر على الجانب الأمني بل شكلت إطارًا عاما لتنظيم العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية والثقافية، لتتحول العلاقة إلى شراكة في جوانب سياسية وأمنية، وأيضًا حدد فيها موعد لانسحاب القوات الأمريكية، والذي بدأ في 31 ديسمبر من عام 2011. ومن ثم تمت موافقة البرلمان العراقي على المعاهدة في 27 من الشهر نفسه من العام ذاته. تلك المسيرة الطويلة من عمر الدولة العراقية تمخضت في النهاية عن اتفاقية طويلة الأمد أنهت صيغة الانتداب التي أدارت بها قوات الاحتلال الأمريكي شؤون العراق.
في نظرة فاحصة لعلاقة العراق بالولايات المتحدة وبعد توقيع اتفاقية الإطار الاستراتيجي، نجد تلك العلاقة على مدى العقدين الماضيين تتراوح بين المد والجزر، بين الشدة واللين، ودائما ما كان لحراك القوى السياسية العراقية وطرق تعاملها مع الأحداث في المنطقة والعالم، الأثر الفاعل في إثارة ردود فعل الولايات المتحدة، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين السلطة الاتحادية وحكومة إقليم كردستان أو علاقة العراق بجيرانه وبالذات الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وتشعب الأمر وازداد حدة مع تحركات الفصائل المسلحة العراقية تجاه أحداث غزة ليكون هاجسا مقلقا ومتعبا للجانب الأمريكي.
مع انتهاء المواجهة العسكرية بين إسرائيل وإيران التي امتدت لاثني عشر يوماً، شاركت الولايات المتحدة بقوة حليفتها إسرائيل في وقائعها. التفتت الإدارة الأمريكية بجدية إلى طبيعة العلاقة بين إيران والعديد من أطراف السلطة في العراق وكذلك مع البعض من الفصائل المسلحة العراقية المتهمة بكونها أذرعاً للحرس الثوري الإيراني، وجهد الأمريكان لإيجاد طريقة ناجعة لتفكيك تلك الآصرة ، ولكن دائماً ما واجهت هذه المحاولات مراوغة وممانعة من قبل بعض من يدير السلطة في العراق والفصائل المسلحة كذلك. فعمق التغلغل الإيراني في جسد مؤسسات الدولة العراقية وأيضاً بين أوساط الكثير من قوى الشعب العراقي السياسية والمجتمعية، مع وجود فاعل ومؤثر للفصائل المسلحة المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، دائماً ما كان يقف بصلابة في وجه الرغبات الأمريكية بضم العراق تحت جنح المشروع المستقبلي للشرق الأوسط الجديد، الذي خططت أمريكا وحليفتها إسرائيل لإنشائه.
هذا الأمر دفع الإدارة الأمريكية إلى النظر بجدية وعمق تجاه هذه المعضلة ومحاولة الضغط لإيجاد أقصر الطرق لحسم خيار العلاقة بينها والعراق عبر تجديد الضغط المباشر وبالوسائل غير العسكرية. فجاءت تصريحات الرئيس دونالد ترامب وأيضاً وكيل وزير خارجيته ومبعوثه الشخصي رجل الأعمال العراقي الأصل مارك سافايا لتشي بأن هناك توجه جديد ليس فقط لتفكيك العلاقة بين العراق وإيران، وإنما لصياغة نهج مختلف وصادم لبناء علاقة تضع العراق على خطى طريق جديد يقربها كلياً من الإدارة الأمريكية وتوجهاتها في المنطقة. حيث يتم فيه الاعتماد بشكل كلي على سلاح الاقتصاد، ويبدأ من وضع تكييف هيكلي للأنشطة الاقتصادية للسلطة العراقية والضغط المالي لتغيير السياسات الداخلية.
ولكون العراق يعتمد على نمط اقتصادي وحيد هو الريع النفطي كمصدر للدخل القومي وكذلك يخضع في توظيف الريع هذا لشركات أغلبها أمريكية فإن قوة اقتصاده يستمدها من هذين العاملين، لذا فهيكل الدولة الاقتصادية يستظل تحت رحمة هذه التوليفة الاقتصادية التي تبدو معه السلطة العراقية في أدنى مستويات هشاشتها. فالمفارقة في جانب اقتصاد العراق الريعي الذي يعتمد على صادرات النفط بما يقارب التسعين بالمائة من الميزانية التشغيلية للدولة، نجد أن هذا الدخل مثل صنبور تتحكم الإدارة الأمريكية في فتحه وإغلاقه، حيث إن جميع عائدات ما يصدر من النفط العراقي تودع مباشرة في البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. ويستند هذا الموضوع إلى الأمر التنفيذي الأمريكي المرقم 13303 الصادر في 22 مايو 2003 ويوضع الوارد تحت مسمى حساب البنك المركزي العراقي، وفي هذا النظام تقنن دفعات الأموال إلى العراق حسب نظام مصرفي دقيق يعتمد أولاً على قيام الحكومة العراقية بتقديم طلب شهري أو دوري لكمية احتياجاتها من المال، حسب جداول وبيانات للصرف وأبوابه، وعندها تقوم الإدارة الأمريكية بتحديد أين وكيف يتم الصرف الداخلي للسلطة في العراق، وغالباً ما كانت هناك اعتراضات من الجانب الأمريكي على بعض النفقات وأبواب الصرف على بعض المشاريع. وفي هذا المجال فالإدارة الأمريكية يحق لها أيضاً تحديد مع أية دول يمكن للعراق التعامل مالياً. وفي العديد من المرات رفضت الإدارة الأمريكية تعامل العراق المالي مع دول على خلاف مع الحكومة الأمريكية. ومع بقاء واردات العراق المالية خاضعة تحت رحمة البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي فالعراق لا يستطيع استثمار تلك العائدات مثلما تفعل بقية الدول النفطية وإنما تبقى تلك العائدات مودعة في ذلك البنك وتستثمر لصالح الإدارة الأمريكية دون مردود مالي للعراق. ولن يقف التهديد الأمريكي عند تلك الحدود بل هناك تهديد مثل سيف ديموقليس حيث يعلق بشعرة ويكون مسلطا فوق رأس الدولة العراقية وهو ما يخص حماية الأموال والأصول العراقية من المطالبات الفردية للشركات والأفراد وما أكثرهم، كتعويض عن خسائرهم في فترة الغزو العراقي للكويت. فرفع الحماية هذه يفتح شهية العديد من هؤلاء لتجديد المطالبة بالتعويضات مما يسهل السيطرة على الأصول العراقية في الخارج.
إذا نحن أمام معضلة حقيقية ووضع معقد لا يمكن حله بسهولة، دون فك عقدة البقاء تحت رحمة البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي و الأمر التنفيذي الأمريكي المرقم 13303 الصادر في 22 مايو 2003 فهل للعراق قدرة للإفلات من هذا الخانق ؟؟ أم عليه مسايرة خيار الرئيس ترامب ومبعوثه الشخصي .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

 علي حسين في خبر يؤكد اننا نعيش عصر الكوميديا السياسية ، قررت الهيئة القضائية للانتخابات استبعاد المرشح الفائز عن محافظة نينوى نجم الجبوري ، طبعا الهيئة وكالعادة لم تخبرنا ماهي الاسباب ، لكنها...
علي حسين

باليت المدى: ضوء لا ينطفيء

 ستار كاووش مرت ثلاثة أيام وأنا أمرّ كل صباح بجانب متحف الفنانة الألمانية كاتي كولفيتز، مع ذلك كنتُ أُؤجِّل زيارتي لهذا المتحف لأني أردتُ أن أُهيء نفسي جيداً لهذا النوع من الأعمال التي...
ستار كاووش

الفساد الحكومي: الأسباب والتداعيات وآليات الحد منه

د. فالح الحمــراني يعد الفساد في العراق من أكثر المشاكل حدة والمتجذرة بعمق في القطاع العام، وكما يتضح من التصنيف المنخفض للبلاد المؤشرات الدولية فانه يحتل المرتبة 140 من بين 180 دولة من حيث...
د. فالح الحمراني

العراق إلى أين ؟؟

فرات المحسن اثر انهيار حكم حزب البعث عام 2003 أصبح العراق فجأة يخضع لاستعمار عسكري مباشر من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وسُلمت مقدرات وإدارة البلد إلى القوات الأمريكية مباشرة وتحت عنوان سلطة الائتلاف المؤقتة....
فرات المحسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram