علاء المفرجي
يتناول مذكرات أل باتشينو الصادرة بترحمة عربية حديثا طفولته في حي جنوب برونكس بنيويورك، نشأته في أسرة مفككة بعد طلاق والديه، وكيف نشأ مع والدته وجدّيه في بيت الجدّ. يسرد رحلة حياته من بداياته المتواضعة، صراعاته، أحداث من حياته الشخصية والمهنية، إلى صعوده نحو نجومية عالمية في السينما
في مذكراته، يتحدث عن إنخراطه في عالم التمثيل في مسارح نيويورك المتواضعة أولاً، ثم كيف أصبح نجماً بارزاً في السينما بعد أدوار تاريخية .
يستعرض أيضاً الجانب الإنساني، الصعوبات، الفقر، والطموح — مما يعطي للقارئ صورة صادقة وحقيقية عن حياته بعيداً عن التألق والشهرة. في " الفتى المحبوب " يفتح آل باتشينو الباب إلى سرديّة لا تشبه بريق هوليوود الذي يحيط باسمه منذ نصف قرن. هنا لا يتحدّث “أسطورة” الشاشة، بل “الولد” الذي ظلّ يسكن داخله: الطفل الفقير، الخجول، المتمرّد، الذي تربّى في شوارع برونكس، والذي لم يكن يتخيّل أنه سيصبح يوماً أحد أعمدة السينما الأمريكية. مذكرات باتشينو ليست استعراضاً لتاريخه المهني، بل رحلة داخل الذاكرة — وفي أحيان كثيرة، داخل الندوب التي صنعت الرجل قبل أن تصنع الممثل. يحمل الكتاب عنوان االولد صغير هو، الاسم الذي كانت تناديه به والدته. وهذا الاختيار ليس عابراً؛ فهو يعلن منذ الصفحة الأولى أن القصة ليست عن “آل باتشينو النجم” بل عن آل الانسان.
يروي طفولته في حي جنوب برونكس، وسط فقر واضح وغياب الأب بعد انفصال والديه. يتنقّل بين منازل الأقارب، وتتحول الجدة إلى الركيزة الصلبة في حياته العاطفية.
هذه الخلفية ليست مجرد تفاصيل شخصية، بل المفتاح لفهم مزاجه الفني لاحقاً؛ فالتناقض بين الهشاشة الداخلية والقوة الظاهرية هو ما صاغ توقيعه التمثيلي لاحقاً.
يكشف باتشينو في مذكراته أن المسرح لم يكن حلماً بل مخرجاً من الضياع. لم يكن طالباً نموذجياً، وترك المدرسة مبكراً، لكنه وجد في التمثيل مساحة للتنفّس، للتجريب، وللهروب من طبقات الواقع التي كانت تضيق عليه. في صفحات الكتاب، يصف كيف كانت عروض مسرحية صغيرة في نيويورك تشعره كأنه يكتشف نفسه قطعةً قطعة، وكيف كانت صعوبة البدايات تقف على طرفين: الفقر من جهة، واليقين الداخلي بوجود شيء يستحق القتال من أجله من جهة أخرى.
لا يتعامل باتشينو في هذه المذكرات مع أدواره الشهيرة — مثل مايكل كورليوني في " العراب أو توني مونتانا في " الوجه ذو الندبة " بوصفها إنجازات متألقة وحسب، بل كسلسلة تحولات داخلية. يروي المرتبك والخائف أكثر مما يروي الواثق المنتصر. ما يهمه هنا هو اللحظات التي سبقت اللقطات الشهيرة: شكّه بنفسه، خوفه من الفشل، والحميمية المعقدة التي تربطه بالمهنة. في الكتاب شعور واضح بأن التمثيل لم يكن مجرد موهبة، بل حالة إنقاذ نفسي مستمرة.
قيمةاقيمة المدكرات لاتكمن في كونها وثيقة فنحسب، بل في كونه مرآة لرحلة إنسان عاد بصراحته إلى مراحل لم تعد تنتمي إلى الضوء. يكتب باتشينو كمن يخاطب نفسه قبل أن يخاطب القارئ، ويقدّم بذلك واحدة من أكثر السير السينمائية صدقاً وبساطة.
هذا الكتاب ليس فقط عن آل باتشينو، بل عن الفكرة الأبدية التي يحملها الفن: أن الإنسان، مهما علا اسمه، يبقى ابن طفولته الأولى، يحملها معه أينما ذهب — ويعود إليها كلما كتب.
مذكرات أل باتشينو سردية لا تشبه بريق هوليوود

نشر في: 8 ديسمبر, 2025: 12:14 ص








