 الموصل / سيف الدين العبيدي

في اليوم العالمي للتطوع تستذكر أم الربيعين ما قدّمه أبناؤها، إذ تأسس فيها بعد عام 2017 أكبر عدد من الفرق التطوعية على مستوى العراق بدافع من شبابها الذين عملوا على إعادة ترميم مدينتهم عمرانياً واجتماعياً، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه في ذلك الوقت. وقد حظيت تلك المبادرات بدعم مادي من الخيّرين لتوفير متطلبات العمل، فاستمرت الظاهرة حتى اليوم، مع تزايد أعداد الفرق يوماً بعد آخر في مختلف المجالات، أبرزها إنقاذ المكتبات، حملات التشجير، كفالة الأيتام والفقراء، الاستشارات القانونية، وترميم المنازل. ولم تبقَ ناحية أو قضاء في نينوى إلا وفيه فرق تطوعية وخيرية.
وتشكّل أول فريق تطوعي في آذار 2017، إذ عمل على إنقاذ ما تبقى من كتب المكتبة المركزية في جامعة الموصل، وكان بقيادة تهاني صالح والمصور علي البارودي. وأكدت صالح في حديثها لـ«المدى» أنها كانت أول من دخل إلى المكتبة مع البارودي رغم عدم موافقة الجامعة آنذاك بسبب الخوف من وجود متفجرات، لكنهما دخلا بحذر مستندين إلى إضاءة هواتفهما. وفوجئا بوجود رفوف لم تحترق، ثم غادرا بسرعة. وتمكنا لاحقاً من دخول المكتبة عبر الفتحات التي خلّفها القصف، وأخرجا أكثر من 27 ألف كتاب، كانا ينقلانها من المكتبة مسافة تقارب كيلومترين سيراً على الأقدام بسبب عدم تمكّن السيارات من الوصول إليها، وفي ظل حرارة الجو. وتمت عملية الإنقاذ من الطابق الثالث إلى الثاني ثم إلى الخارج مباشرة. وأكدت صالح أن المكتبة لم تُحرق من قبل داعش، بل بفعل القصف، غير أن عناصر التنظيم أخرجوا بعض الكتب وأحرقوها عند باب المكتبة.
من جانبه، يقول عمر محمد، مسؤول مؤسسة «تطوع معنا»، لـ«المدى» إن مؤسسته تضم 350 متطوعاً، ما يجعلها الأكبر في نينوى، وقد نفذت أكبر حملاتها بتوزيع 36 ألف حقيبة مدرسية. وأضاف أن المؤسسة نظمت احتفالية جمعت الشباب والشابات من المتطوعين، مبيناً أن ما يميز العمل التطوعي في نينوى هو الشعور بالمسؤولية والانضباط والتنسيق العالي وحب المدينة. وأشار إلى أن الشباب هرعوا لمعالجة أي أزمة تقع، مثل حادثة غرق العبارة حين تطوع أصحاب القوارب للبحث عن الغرقى، وحريق قاعة عرس الحمدانية، وكذلك في حريق الغابات الذي عُوِّض بزراعة الأشجار. وبيّن أن من الحملات الفريدة أيضاً «ثورة الدنابر» لإزالة الأنقاض من الموصل القديمة، مؤكداً أن هذه الأعمال تمثل رسالة وأمانة سيحملها الجيل المقبل.
أما أصغر الفرق سناً فهو فريق «شارك جارك» الذي يضم ست فتيات وستة شباب تتراوح أعمارهم بين 15 و18 عاماً، ويعمل على توزيع السلات الغذائية وكسوة الملابس للأطفال الأيتام والفقراء. وتشكّل الفريق في بداية رمضان الماضي، ويمتاز بكونه يضم فتيات بعمر صغير، وجاء بمبادرة من شاب يبلغ 15 عاماً هو طلال محمد، طالب في المرحلة المتوسطة. وقال في حديثه لـ«المدى» إنه شارك مطلع عام 2025 في برنامج يهدف إلى تنفيذ ثلاث مبادرات محلية في نينوى عبر تطوير قدرات المشاركين في مجالات التطوير الفردي، وريادة الأعمال المجتمعية، وكيفية تحويل الأفكار إلى مشاريع أو مبادرات مفيدة للمجتمع. واعتمد البرنامج على استراتيجية العمل الجماعي، ما أتاح له التعرف إلى المشاركين بشكل فعّال.
وأضاف أنه قبل حلول شهر رمضان راودته فكرة تأسيس مبادرة خيرية تُعنى بتوزيع السلال الغذائية على العائلات المحتاجة، فطرح الفكرة على عدد من زملائه في البرنامج ممن وجد فيهم الحماس والكفاءة، ولاقت مبادرته ترحيباً كبيراً. ومن هنا انطلقت مسيرة «شارك جارك»، وتمثلت إنجازاتهم خلال أقل من 40 يوماً بتوزيع 300 سلة غذائية وإكساء 75 طفلاً يتيماً، بكلفة بلغت خمسة ملايين دينار من متبرعين داخل العراق وخارجه. وأكد طلال أنهم يطمحون إلى تشجيع الشباب من الفئة العمرية الصغيرة على المبادرة إلى فعل الخير، وتعزيز ثقافة التبرع والتطوع، والمساهمة في سد احتياجات العائلات الفقيرة.
أما الشاب حذيفة الحسو، المتخصص في علم الاجتماع، فأكد لـ«المدى» أنه قدّم مبادرات تطوعية فردية، بينها «ضابط الثقافة» التي تهدف إلى توعية الناس بالحفاظ على الأماكن العامة وعدم رمي النفايات، فضلاً عن توزيع رسائل تحفيزية على طلاب السادس الإعدادي قبل دخولهم الامتحانات لتشجيعهم على الدراسة والنجاح.