بغداد / المدى
في وقت يحاول فيه السوق الموازي اختبار حدود السياسة النقدية، قدّم المستشار المالي لرئيس الوزراء، مظهر محمد صالح، تطميناً صريحاً بأن سعر الصرف الرسمي سيبقى عند 1320 ديناراً، مؤكداً أن التذبذب الأخير لا يتجاوز «ضوضاء قصيرة الأجل». غير أنّ خلف هذا الهدوء الظاهري يبرز سؤال أكبر يتعلق بقدرة الدولة على تعزيز مواردها من دون المساس بالاستقرار النقدي.
ويقرأ الخبير الاقتصادي أحمد عبد ربه تصريحات صالح باعتبارها جزءاً من استراتيجية أوسع؛ إذ يرى أن استقرار السعر ليس خياراً مالياً فحسب، بل إشارة سياسية إلى أن الحكومة المقبلة لن تقترب من تعديل الصرف في سنتها الأولى، إدراكاً منها لحجم الأثر التضخمي الذي قد تخلّفه أي خطوة في هذا الاتجاه. وقال عبد ربه في تصريح صحفي إن التحدي الحقيقي لا يكمن في السعر، بل في بنية الإيرادات نفسها. فالعراق، كما يوضح، يخسر مليارات الدولارات سنوياً عبر منافذ جمركية ضعيفة، ونظام ضريبي يعتمد الورقيات، وتدفقات استيراد ضخمة تُبقي الطلب على الدولار مرتفعاً. ويرى أن رفع الإيرادات لا يحتاج إلى تغيير السعر بقدر حاجته إلى إصلاح جمركي كامل، والتحول إلى الجباية الإلكترونية، وربط قواعد بيانات الضرائب بالتجارة الخارجية والمصارف والمنافذ الحدودية. وما يشير إليه عبد ربه يتقاطع مع جزء من رؤية مظهر صالح؛ إذ تؤمن الاحتياطيات الأجنبية القوية غطاءً للسعر الرسمي، فيما يعكس تراجع التضخم إلى 2.5% نجاح السياسة النقدية في تثبيت الأسعار. لكن من دون معالجة حلقات الهدر في الجباية والتهرب والتلاعب بالفواتير، سيبقى السوق الموازي قادراً على خلق موجات مضاربة كلما توافرت إشاعة أو معلومة ناقصة. كما يرى عبد ربه أن جزءاً من الضغط على الدولار يعود إلى هيكل اقتصادي يعتمد على الاستيراد الاستهلاكي، ما يجعل دعم الزراعة والصناعات الغذائية ومواد البناء والأدوية ليس خياراً تنموياً فحسب، بل سياسة نقدية غير مباشرة تقلل الحاجة إلى الدولار وتحسّن ميزان المدفوعات. وفي ظل هذا المشهد، تبدو معادلة الاستقرار واضحة: حماية الدينار لا تتحقق بتغيير السعر، بل بإصلاح الاقتصاد من الأسفل إلى الأعلى. وما قاله صالح عن تماسك الاحتياطيات يوفر الغطاء المطلوب، لكن ما يطرحه عبد ربه يمثل الطريق الطويل الذي لا يمكن تجنّبه إذا أرادت الدولة سعراً مستقراً لا تهزه «الضوضاء المؤقتة».










