النجف/ عبدالله علي العارضي
مرّ أسبوع كامل على الواقعة التي أثارت جدلاً واسعاً في الوسط التعليمي بالنجف، لكن تأثيراتها لم تتوقف عند حدود اليوم الأول. فالظاهرة التي بدأت بحادثة فردية تحوّلت إلى موجة تنتشر بسرعة داخل عدد من الصفوف المدرسية، وسط مخاوف متزايدة من أن تتحول إلى نمط سلوكي يصعب السيطرة عليه. وبين محاولات التهدئة الرسمية وقلق الأهالي، تبدو المؤسسات التربوية أمام اختبار حقيقي لاحتواء تداعيات هذا الحدث المستمر.
أزمة الفيديو: بين النشيد والشعيرة
يُظهر الفيديو المتداول مجموعة من الطلبة يقفون في ساحة المدرسة، بينما يُرفع العلم العراقي بالتزامن مع أداء لطمية داخل مجلس عزاء أُقيم في المكان ذاته. هذا التداخل بين الشعيرة والطقس الوطني كان الشرارة الأولى لانقسام الآراء.
الناشط علي عزيز قال لـ «المدى» إنّ «ما جرى في إحدى مدارس النجف هو مؤشر خطير، حيث استُبدل النشيد الوطني باللطم والشعائر أثناء رفع العلم. وإنّ الفيديو المتداول يُظهر بوضوح أن رفع العلم تم أثناء إقامة الشعيرة، وليس كما تزعم المدرسة أو مديرية التربية اللتان قالتا إنّ النشيد الوطني لم يُستبدَل بالشعيرة!».
ويتابع: «الخطير بالأمر هو إعلاء القيم الدينية على القيم الوطنية، وهذا يؤدّي بالنهاية إلى تشظّي الروح الوطنية واستبدالها بالانتماء الديني. تظلّ الشعائر الدينية حريات وحقوقًا كفلها الدستور وهي محترمة ولا نقاش عليها، إنّما للشعائر مكانها المخصّص وليس في المدارس ومؤسسات الدولة!».
تربية النجف: ما جرى «تأبين أسبوعي» وليس استبدالاً للنشيد
وفي بيان لمديرية تربية النجف اطلعت عليه «المدى»، قالت المديرية: «تنفي المديرية العامة للتربية في محافظة النجف الأشرف اتخاذ أي إجراء حول ما حصل في مدرسة المسلّة الابتدائية. علماً أن ما حصل في المدرسة هو تأبين بمناسبة استشهاد السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام)، وليس له علاقة بموضوع رفع العلم العراقي والسلام الوطني، فهي مراسيم طبيعية متخذة أسبوعياً حسب التعليمات الوزارية».
رأي المواطنين: تأييد ومعارضة
يرى جواد الخفاجي، أحد سكان النجف، أن المدرسة لم ترتكب خطأ، قائلاً لـ «المدى»: «هذه الشعائر جزء من هويتنا وثقافتنا، والطالب من ينشأ على حب أهل البيت سيتعلّم الأخلاق والقيم. المراسيم ما ألغت النشيد، ولا أحد يمنع احترام العلم. بالعكس، هذا تراث ديني يرسّخ الانتماء الحقيقي».
في المقابل، يقول حسن الفتلاوي لـ «المدى»:
«أطفالي يذهبون إلى المدرسة ليتعلموا، وليس لحضور عزاء. المدرسة مؤسسة دولة، ويجب أن تكون محايدة وعابرة للطوائف. لدينا مناسبات دينية كثيرة ويمكن إحياؤها بعد الدوام أو في أماكنها المخصّصة، لكن مزجها بالاصطفاف والطقوس الوطنية يربك هوية الطالب ويجعله في صراع بين الرمزين».
ويقول المواطن محمد الشمري إن ما يجري «لم يعد حدثاً معزولاً كما اعتقد البعض في الأيام الأولى، بل أصبح ظاهرة تتسع يوماً بعد آخر داخل عدد من مدارس المحافظة». ويضيف: «التداعيات لا تتوقف عند الجانب السلوكي فقط، بل تمتد إلى تأثيرات نفسية على الطلبة».
نقاش أوسع من واقعة
الجدل الذي أثاره مقطع فيديو واحد كشف عن سؤال أعمق في النجف والعراق عموماً: أين تنتهي حدود الشعيرة الدينية وأين تبدأ حدود الهوية الوطنية داخل المؤسسات العامة؟ وبينما تؤكد وزارة التربية أن الإجراء روتيني، ويتمسك ناشطون بضرورة الفصل بين الرمزين، يبدو أنّ هذا النقاش سيتكرر كلما التقت المناسبات الدينية مع الفضاءات الرسمية، في بلد لا تزال هويته المؤسسية قيد التشكل.










