علاء المفرجي
العراق لطالما كان له مكانة مرموقة في الفن التشكيلي مع تاريخ يمتد لعقود، ومع ولادة حركة تشكيليّة مميزة. لكن في العقود الأخيرة، كثير من الفنانين خصوصًا الشباب يعانون من تذبذب في الهوية الفنية وتخبّط في الاتجاه، بحيث "لا أفق واضح".
جزء كبير من هذه المشكلة يُعزى إلى غياب نقد فني جاد ومنهجي أي نقد قادر على تحليل العمل، تأويله، ربطه بالواقع الثقافي والاجتماعي، وليس مجرد وصف أو استعراض.
فالكثير من الكتابات التي تحمل اسم "نقد" في الواقع أقرب إلى "التقرير الصحفي" أو "التعريف بالتجربة الفنيّة" غالبًا بدون تحليل عميق. بهذا، يصعب على النقد أن يكون "بوصلة" توجه الفنان أو المتلقي نحو قراءات نقدية رصينة.
غياب بنية مؤسسية قوية تدعم النقد الفني (مطبوعات، مجلات، دراسات، أرشفة، تعليم نقدي)، مع ضعف الأرشفة ونقص المؤسسات الداعمة للنقد، بات من الصعب تتبع التطور، أو بناء فهم جماعي للنقد التشكيلي.
النقد التشكيلي هو تحليل وتقييم العمل الفني اللوحات، النحت، التصاميم، ما بعد الحداثة، وغير ذلك — من زاوية جمالية، تاريخية، تقنية، نظرية، وثقافية. هو ليس مجرد رأي شخصي عابر، بل يعتمد على معرفة بتاريخ الفن، المدارس الفنية، فلسفة الفن، تقنيات المادة، وما تحمله الأعمال من رموز ودلالات.
وتتضح أهمية أنه يساعد في «فك شيفرة» العمل الفني: تحليل الشكل، اللون، التركيب، التقنية، الرموز، وحتى الرسالة أو الفكرة التي يحملها. هذا يسمح للمتلقي سواء كان فنانًا، هاوٍ، أو جمهور أن يفهم العمق الجمالي والفكري للعمل وليس فقط النظر إليه بشكل سطح.
بحسب مقالات كثيرة، النقد التشكيلي يعمل كجسر بين "الفن" و"المجتمع" يساعد على ترقية وعي المتلقي الفني، ويطور ذوقه في تقدير الأعمال، بدل أن تكون القراءة سطحية أو عشوائية. وبالتالي، يساهم في نشر ثقافة فنية راقية، ويفتح المجال لحوار جاد حول الأعمال الفنية ما يرفع من قيمة الفن في المجتمع.
فالنقد لا يكتفي بالإعجاب أو الرفض، بل يمكن أن يكون «بناءً» يشير إلى نقاط القوة ويبرز مواطن التحسين، في التقنية، الفكرة، الاستخدام الإبداعي للوسائط، أو التجديد. هذا يساعد الفنان على التطور والتجديد. وعبر النقد، تُسجَّل أعمال فنية، تُحلَّل المدارس، تُقارن الاتجاهات، ويُصوغ فهم تاريخي وجمالي لحركة الفن عبر الزمن. هذا بدوره يساعد في تأصيل الفن التشكيلي كجزء من التراث الثقافي، وليس مجرد إنتاج عشوائي.
النقد يمكن أن يسلّط الضوء على مضامين اجتماعية أو فلسفية في العمل الفني كقضايا هوية، بيئة، سلطة، تاريالتشكيليخ، ثقافة فيصبح الفن ليس فقط جمالًا، بل أداة فهم للتغيّرات المجتمعية.
خالد خضير: محدودية النقد التشكيلي ليست غيابًا فرديًا بقدر ما هي نتيجة بنية تعليمية
يعاني الفن التشكيلي العراقي، رغم غناه وتاريخه وثرائه، من مشكلة واضحة تتمثل في ندرة النقد الفني الجاد والمتخصص؛ وسبب ذلك عدة عوامل فما يزال عدد النقاد الجامعين بين المعرفة الأكاديمية العميقة في الفنون الجمالية وبين الخبرة العملية في متابعة الحركة التشكيلية محدودًا، فغالبية ممارسي النقد يعتمدون اجتهادات شخصية أو قراءات عامة، دون امتلاك أدوات تحليل منهجية قادرة على تفكيك العمل الفني وإضاءته بالشكل المطلوب.
و ان الثقافة الاقصائية تسهم في استبعاد الفن من الوسائل المعرفية بقسط في ابتعاد المثقفين عن الفن التشكيلي والموسيقى والفنون التشكيلية عن بنائهم الثقافي، ويسهم التعليم الجامعي بدوره في تعميق هذه الفجوة، فلا يحظى علم النقد والتذوق الفني بالأولوية ضمن المناهج التعليمية، فغالبًا ما تتركز العلاقة بالفن على الجوانب العملية والتقنية لإنتاج العمل، وتبقى الدراسات النظرية والنقد فنية بعيدة عن الاهتمام عمليا؛ وهذا يؤدي إلى تخرج أجيال من الفنانين دون تكوين بيئة ثقافية نقدية مرافقة، وهو ما يُضعف التفاعل بين الفنان والجمهور ويحد من تطور الذائقة العامة.
لعب مزاج القراءة الحكائي، المأخوذ بالقصص والسرديات الى اصطباغ الكتابة التشكيلية بطابع سردي وحكائي ينصب على تاريخ الفن وقصصه (الشعبية) المهيمنة التي تتناقلها الادبيات الشعبية للفن، وهذا ليس حكرا على ثقافتنا العربية والعراقية فان جردا بسيطا للمقالات المكتوبة باللغة الإنجليزية من قبلنا تؤكد ان تاريخ الفن و(اساطيره) تدفع بالنقد التشكيلي الحق الى الخلف.
لذلك، فإن محدودية النقد التشكيلي ليست غيابًا فرديًا بقدر ما هي نتيجة بنية تعليمية وثقافية يمكن القول عالميا، تحتاج إلى إعادة تأهيل، بحيث يُمنح النقد مكانه الطبيعي كرافعة للوعي وداعم لحيوية الفن العراقي.
ستار كاووش: في النقد تمتليء الكتابات بإستشهادات وآراء الآخرين بمناسبة أو دونها
يُعتبر النقد التشكيلي في كل البلدان بالعالم محدود نوعاً ما، ويشكل حيزاً صغيراً جداً من الثقافة والكتابة بشكلها العام. وما يُلفت النظر في الكثير مما يُكتب عن الفن التشكيلي في العراق، أنه يحمل بين طياته الكثير الغموض والتهويمات المعقدة. يُضافُ الى أن العديد من الكتابات تمتليء بإستعارات ومقولات من كتاب أجانب يعتبرونهم مراجع ثابتة بطريقة أو أخرى. ربما يحتاج الأمر الى ذلك بحدود معينة، لكن لا أن تمتليء الكتابات بإستشهادات وآراء الآخرين بمناسبة أو دونها. فعلى الناقد أن يقول رأيه الواضح والمفهوم والنابع من إحساسه الشخصي بالعمل الفني، لا أن يكتب آراء الآخرين. وبحكم العمود الذي أكتبه في مجلة أتيليه الهولندية، إضافة الى مقالة دائمة أخرى في ذات المجلة، فأنا أقرأ بطبيعة الحال ما يُكتبه الآخرون، فالنقاد في هولندا مثلاً، لا يُعيرونَ إهتماماً لهربرت ريد أو سوزان لانجر وغيرهم الذين تمتليء كتاباتنا العراقية بإستشهادات منهم. لماذا على النقاد أن يحشدوا آراء الآخرين في كتاباتهم؟ أليس الأجدى أن يقولوا رأيهم الشخصي؟ أقرأ النقد الذي يكتبه النقاد في هولندا وأرى كيف يكتفون بعرض ملامح العمل الفني والحديث عن تأثيره وتكوينه والرمزية التي تختفي وراء الألوان والمفردات وما الذي يجعله جميلاً، بلغة بسيطة وواضحة ومقروءة، دون تعقيدات أو غموض وبلا إسقاطات أدبية أو فلسفية.
أتمنى أن تتحلى الكتابة العراقية بالبساطة (وليس السطحية) والدخول الى العمل الفني دون تراكمات مسبقة ولا مرجعيات ثابتة. فالفن التشكيلي ذاته يحمل بعض الصعوبات التقنية والمعالجات، فلماذا إذن يأتي الناقد ويصعب الأمر أكثر؟ إمْنَحْ بعض المفاتيح للمتلقي وركز على نقاط الجمال التي تجعل الناس تلتفت الى الأعمال الفنية، ثم دعهم صحبة العمل الفني يتمتعون بسلام.
صلاح عباس: لا يمكنني التسليم بان النقد الفني التشكيلي في حالة من التراجع
ليس هناك ندرة في مجالات النقد التشكيلي في العراق، بل ان الاتجاهات النقدية، تبلورت وترسخت واتسعت، أكثر مما كانت عليه مسبقا، فلقد كان النقد الفني فيما مضى، محدودا وحصريا على عدد قليل من النقاد الفنيين، ذلك لأن مساحة التحرك الاعلامي والدعائي، كانت ضئيلة جدا، حيث ان الغطاء الاعلامي ممثلا بالصحف والمجلات كان محدودا في الحقب الزمنية ما قبل سنة 2003 ، بينما نحن الان في منعطف تاريخي منفتح على العالم، حيث وسائل الاتصال والاعلام المتنوعة، ففي السابق كان اسم الفنان او اسم الناقد الفني يبرز بقوة من خلال النشر المحدود، في حين ان النشر الان اتسع اكثر من ذي قبل ولكن كانت الاصداء اقل جدوى، واقل تأثير.
ولو ان المتابع لمسارات النقد التشكيلي، حاول استقصاء المناهج النقدية الجديدة، وتابع الاصدارات والدوريات الخاصة بالفنون التشكيلية ومنها مجلة رواق التشكيل ومجلة باليت ومجلة الاديب المعاصر وغيرها من المطبوعات العراقية، لتأكد بنفسه بان عجلة النقد الفني في العراق تدرج للأمام ولقد ولدت اسماء نقدية جديدة وتعمل بمنتهى الجدية من أجل ترصين الاتجاهات النقدية وتعزيزها بالرؤى المواكبة لما هو معمول عليه في النقد الفني العالمي.
لا يمكنني التسليم بان النقد الفني التشكيلي في حالة من التراجع، وبحكم عملي كوني مديرا لتحرير مجلة رواق التشكيل التي تصدر عن جمعية الفنانين التشكيليين العراقيين، وسابقا كنت اعمل رئيسا لتحرير مجلة تشكيل التي تصدر عن وزارة الثقافة، فأني تابع قريب ومطلع على كل المستجدات ولم انقطع عن اداء دوري الفني والثقافي ضمن حدود حلبة الاشتباك، ولذا، يمكنني ان ازعم بان النقد التشكيلي في العراق بلغ جدواه من خلال الزخم الكبير من المؤلفات الفنية التي تطبع في بغداد وعمان وبقية المدن وهذا خير دليل على ان النقد الفني العراقي بحالة صحية ممتازة..
د.جواد الزيدي: تهميش دور النقد في المناهج الدراسية الأكاديمية على الرغم من وجوده
من الطبيعي جداً ان يكون النقد التشكيلي بهذه الندرة على المستوى المحلي أو العالمي لخصوصيات هذا النقد وصعوبته أيضاً بخلاف انواع النقد الأخرى التي يسهم فيها النص المكتوب والكلمة ودلالتهما بما يفتح منافذ الإغلاق من أجل نص موازٍ، أو فجوات ينفذ منها الناقد. أما النقد التشكيلي فيحتاج الى معرفة بتاريخ الجنس الفني وطبيعة تصيره وتحليل علاقة اللون بالكتلة والشكل الظاهري بالمضمون وغيرها من الآليات، إذ كيف ينتج الناقد نصاً موازياً لضربات فرشاة أو شكل تعبيري مجرد. وهنا تكمن الصعوبة، فضلاً عن تهميش دور النقد في المناهج الدراسية الأكاديمية على الرغم من وجوده، لكنه بعيداً عن التطبيق العملي إذا ما عرفنا إن الإتجاهات النقدية المعاصرة ترحلت من اللسانيات والنقد الأدبي وبالتالي نحتاج امكانية معرفية تتوافر في الناقد يستطيع من خلالها ترحيل المفهوم من النص الأدبي الى البصري والعياني. وهذا لم يتوافر في الدارسين لهذا النوع، فضلاً عن الرغبة والتوجه الذاتي التي تتراجع لدى البعض. وهذا يقترن مرة أخرى بالندرة، وان أغلب الذين كتبوا في النقد التشكيلي عراقياً وعالمياً جاءوا من تخصصات أدبية وأجناس ابداعية مثل الشعر والقصة ما عدا استثناءات قليلة، بعضها استطاع أن يلاحق تجربته الشخصية ويحاول تسليط الضوء عليها والبعض الآخر حاول جاهداً أن يلاحق التجربة الفنية الجمعية، لكن هذا كله لم يصل الى مستوى النتاج الإبداعي لكثرة المشتغلين فيه مقابل محدودية فضاءات النقد التي ظلت عاجرة عن ملاحقة التجارب كلها هنا وهناك .
كريم سعدون: تكمن أهمية الدعم الرسمي في المساهمة في خلق النقد وبالتالي وجود نقاد
رافق نشوء الحركة التشكيلية في العراق وفي ظل حراك ثقافي عام، كتابات في الصحافة أو في تقديم المطبوعات الخاصة بالعروض التشكيلية ساهمت الى حد كبير في تقريبها الى جمهور متطلع أيضا لتلقيها، لذلك كانت مهمة هذه الكتابات رعاية وتنمية عملية تلقي الفن وعروضه وإذا سلّمنا بحداثة التجربة التشكيلية العراقية فأن القول بوجود نقد فني مرافق، يكتنفه الشك لأن النقد يحتاج الى بيئة مشجعة لولادته ونموه ودوام حضور وتطوره، ففي الغرب، على سبيل المثال، ولد مع ولادة الفن التشكيلي وتطورت منهجيته فيه واصبح من الممكن تقديم ملامسات حقيقية لتصويب المنجز الفني سواء في الرسم او النحت، بل يمكن القول انه ساهم في تطوره بشقين في لفت نظر الفنانين الى مديات التوافق مع القواعد المفترضة والتي يلتزم بها الفنان في أعماله أولاً وشجع الخروقات التي حصلت في المنجز الفني وتطوره عبر العصور وواكبها، وثانيا انه ساهم في تطوير الذائقة الفنية وشجع المتلقين والمقتنين الى تقبل الفن وفهمه. الفن في العراق تقدم بشكل لافت في الوقت الذي لم تستطع فيه الكتابات النقدية والنقاد من تطوير ادواتهم ، لذلك ظلت التدوينات النقدية للفن التشكيلي تدور في فلك الأرشفة والتأريخ أو في الأقل محاولات خجولة لملامسة ماصل إليه النقد ومناهجه في الغرب، وهذا مايشير الى الاومة التي أحدثت الندرة في عدد النقاد ووبالتالي الكتابات النقدية المتخصصة.
هل السبب في عدد النقاد الذين يجمعون بين المعرفة الأكاديمية في الفنون الجمالية؟ أم أن التعليم الجامعي لا يعطي الأولوية الكافية لعلم النقد والتذوق الفني
السؤال هل ترى محدودية النقد التشكيلي أو عدمه، وما رأيك بالاسباب؟
لم يحظ النقد التشكيلي في العراق الى الدعم اللازم لتقدمه ومسايرته لما تحقق من قفزات تخص المنجز الفني، فهذا دعامة ضرورية لتجسيير العلاقة بين الفن وجمهور المتلقين وتصحيح مساراتها دائما.
تكمن أهمية الدعم الرسمي في المساهمة في خلق النقد وبالتالي وجود نقاد، لذا فأن عدم وجوده جعلته أحد الأسباب الرئيسية في التلكؤ الحاصل في وجود النقد التشكيلي العراقي، وتشترك معه، المؤسسات الاكاديمية الفنية المتخصصة التي عجزت عن تقديم أي اسناد يترتب عليه تخريج نقاد مهنيون وأكاديميون متمرسون لاسباب تتعلق بتعثر بالمناهج الدراسية فقد أثبتت تأخرها عن تطوير مناهجها الدراسية والنظرية بشكل خاص، فالمناهج المعتمدة تتميز بعدم قدرتها على تقديم قراءات معاصرة للفن وهذا ما يؤثر حتما وبشكل كبير على نوعية الفن المنجز. وأصبحت الكتابات النقدية في الغالب كتابات صحفية ومتابعات للأنشطة الفنية، مما عقّدَ مهمة إيجاد نقاد، وقراءات نقدية منهجية ومؤسسة بشكل علمي.
هاشم تايه: الشّروع بتأسيس أقسام خاصّة بالنّقد التشكيليّ في معاهدنا
تقف وراء ظاهرة ندرة النّقد الفنيّ- التشكيلي- ومحدوديّته أسباب عدّة تمتدّ إلى مناهجنا التعليميّة التقليديّة السّائدة في عموم مدارسنا، ومعاهدنا وكلّياتنا، بتركيزها على الجانب التّلقيني الذي يقوم على التّسليم السّلبي للعقل بالمادة المعرفيّة، لا تمثّلها الإيجابي الذي يهتمّ بإثارة الأسئلة حولها ويُحفّز على التفكير فيها باستقلال خارج ما يُنظَر إليه كيقين. غير هذا هناك المزاج السّائد لثقافتنا بنظرتها التي تُقلّل من أهميّة النقد، وتُعلي الإبداع عليه. ثمّ هناك متطلبات ممارسة النّقد باحتراف تخصّصي، حقيقي لا يمكن بلوغه إلا بمشقّة على قاعدة ثقافة عريضة، وأدوات للنّظر، والتّحليل، والحكم، تشتغل بالاستناد إلى فكر فلسفي، وتستنير بمنهج حيويّ فعّال. وأظن، كذلك، أن من بين أسباب ندرة النّقد التشكيليّ، وانحسار الاهتمام بممارسته، صعوبته الناجمة، ربّما، من كون العمل الفني البَصَري بلا لغة عاديّة للتوسّط، والتّعرّف. والنظرة الشّائعة عنه في ثقافتنا تُجرّدهُ من تفكيريته، وتحصره في إطار التّعبير الصُّوري، الغنائي المنفعل بجاذبيته التّزيينيّة المغرية لكن العارية من أي تأمّل.
قد يكون من المفيد في مواجهة هذه الظّاهرة الشّروع بتأسيس أقسام خاصّة بالنّقد التشكيليّ في معاهدنا وكلياتنا الفنيّة وتأمين الإشراف عليها بأساتذة نقد مقتدرين، وتشجيع الطلبة على الانضمام إليها. وربما سيكون ملائما تأسيس رابطة نقّاد تشكيليين عراقيين، ودعمها بمركز تُقيم فيه أنشطتها.
فائق العبودي: لا يمكن تجاهل ضعف الذائقة الفنية العامة نتيجة تراجع التعليم الفني،
رغم عمق التجربة التشكيلية العراقية وثراء رموزها، ما زال المشهد يعاني من محدودية واضحة في النقد الفني الجاد.
هذه المشكلة لا تأتي من فراغ، بل من مجموعة أسباب متشابكة. أولها ضعف البنية الأكاديمية التي لا تمنح علم الجمال والنقد الفني مكانته المستحقة، ما جعل عدد النقاد المتخصصين قليلًا، وغالب ما يُكتب ينتمي إلى "النقد الصحفي" الانطباعي لا النقد التحليلي القائم على منهجيات واضحة. يضاف إلى ذلك غياب مؤسسات ثقافية تُنتج مجلات أو دراسات نقدية رصينة، وتركّز الساحة غالبًا على الجانب الاحتفالي والعرضي بدل التحليلي.
كما ساهمت هيمنة البعد التجاري على الفن، وغياب الحرية النقدية أحيانًا، في خلق بيئة تخشى الصراحة، فيبتعد الناقد أو يكتفي بالمجاملة. ولا يمكن تجاهل ضعف الذائقة الفنية العامة نتيجة تراجع التعليم الفني، ما أدى إلى غياب جمهور يقرأ النقد أو يطالب به. إضافة إلى ذلك، أدت هجرة الكفاءات وتشتت الأجيال إلى فقدان حلقة وصل بين الكثير من الفنانين والشباب. ومع عصر السوشيال ميديا طغت الصورة السريعة على الكلمة العميقة.
لهذا أرى أن محدودية النقد ليست حالة عابرة، بل نتيجة تداخل هذه العوامل مجتمعة. والنهوض بالفن العراقي لن يكتمل إلا بنهضة نقدية توازيه، تمنحه المعنى، وتعيد له مكانته محليًا وعالميًا.
مؤيد الحيدري : يختزل المشهد النقدي اليوم بجهود فردية أو صفحات ومنصات معدودة.
يعد النقد الفني اليوم من أهم مُنشّطات سوق الاعمال الفنية عالميا، ومعياراً لسطوع وانتشار هذا الفنان او ذاك، (بغض النظرعن إلتباس رجاحة هذه السوق والمؤثرات التي تتحكم فيها!) ، ورغم غِنى الفن التشكيلي العراقي الممتد الى فنون وادي الرافدين فإن النقد الجاد ما يزال محدودًا، متقطعًا وغيرَ مؤسّس.
إن هذه المشكلة من شأنها إضعاف الحلقة التي تربط الفنان بالجمهور، و تقوّض توثيق وتقييم التجربة التشكيلية العراقية على المستوى المحلي والعالمي. يختزل المشهد النقدي اليوم بجهود فردية معدودة، أو صفحات ومنصات محدودة تنشر لنقّاد او فنانين تعاملوا مع المهمة بحس منهجي علمي ذي نكهة محلية، في حين استُبدل الخطاب النقدي على وسائل الإعلام العراقية بتغطيات خبرية عامة للمعارض فحسب. أظن أن المشكلة تتعلق بمنظومة.
الثقافة الفنية وبُنيتها المؤسسية، فضلاً عن أن السياق الاجتماعي والسياسي لعقود مرت على العراق تسبَب في تدني الاهتمام الرصين بالفنون عموماً، من جانب آخر لم يفلح التوسعُ في فتح الكليات والمعاهد الفنية في إعداد نّقادِ فن متخصصين، بل إنصب الاهتمام على إنتاج ألقاب «فنان» ! فالمناهج الدراسية تركز على التقنيات، بينما يُدرّس النقد الفني وعلم الجمال بشكل نظري محدود، ولا يتدرب الطالب على قراءة العمل الفني أو كتابة المقال النقدي وفق منهجيات التحليل الحديثة والجماليات المقارنة..
إن حث الجمهور على تعلّم التذوق وليس المشاهدة فقط، يستوجب تنمية النقد التشكيلي من خلال منصات نقدية مستمرة، ودعم مؤسساتي، وصالات فن احترافية، وسوق فني يشجع التوثيق والتحليل.. والترويج للفنان المبدع الحقيقي.
ندرة النقد التشكيلي...تشكيليون: لا يحظى النقد والتذوق الفني بالأولوية ضمن المناهج التعليمية

نشر في: 9 ديسمبر, 2025: 12:01 ص








