علي حسين
في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة تاريخية مهمة جدا لمرحلة مهمة من مراحل التاريخ العربي.
من بين اغاني الشيخ امام الكثيرة ، اتذكر اغنيته الشهيرة عن اغتيال جيفارا، وبالذات المقطع الذي يتحدث فيه عن مناضلي الغرف السرية، الذين يخلطون بين الوطن وجيوبهم،والابيات هي: ما رأيكم دام عزكم يا أتيكات
يا غرقانين في المأكولات والملبوسات
يا دفيانين ومولّعين الدفاياتيا
يا بتوع نضال آخر زمن في العوامات (والعوامات بيوت عائمة على النهر فيها كل مالذ وطاب، وما اكثرها هذه الايام على نهر دجلة) .
ابيات لم اجد افصح منها ولااعمق في وصف طائفة السياسيين المحترفين المرفهين، تجدهم يرفعون شعارات زائفة في كل زمان ومكان. يعتقدون بأنهم يملكون صكاً مصدقاً يمنحهم الحق للحديث باسم الشعب،عن احلام الشعب، المستقبل الذي يرسمونه للشعب، دون أن يعرف الشعب عما يتحدثون، أو في الأقل لم يأخذ أحد رأيه فيما ينسبونه إليه،سياسيين مولعين باقتناء القصور الفاخرة والاتجار بقضايا الناس، وقد استثمروا في السنوات الاخيرة فوضى غياب القانون فازدهرت تجارتهم وسط حشد مهول من الكلمات الثورية الزائفة،ساسة استبدلوا الشعارات الاشتراكية بشعارات متطرفة، تغيرت الوجوه والأسماء، لكن المشترك الراسخ بينها هو النضال التجاري،، وأبشع ما في هذه المهنة أن القائمين بها يزايدون علي الجميع، ويطعنون في وطنية من يختلف معهم، لكنهم يتفقون على شيء واحد، هو التجارة بكل شيء واولها مشاعر الناس ساسة ومسؤولين استأثروا بخير البلاد واستحوذوا على ثرواته،فازدادت الهوة بينهم وبين الناس،فانعدمت المسؤولية الحقيقية لرجل السياسة، الذي بات لا يدرك أن ازدهار هذا الوطن واستقراره يكمنان في أن يذوق الجميع خيرات هذا البلد.
اما المواطن المسكين فقد حسم امره منذ اللحظة التي قرر فيها ان يحلم بالتغيير ويشارك في الانتخابات، ولم يكن يتوقع ان تتحول العملية الديقراطية الى شجار سياسي وتراشق للاتهامات، المواطن المسكين اختلطت عليه الامور واصبح مثل الحاج راضي لا يفرق بين الهندي والعربي، ينظر الى رجال السياسة يملأون وسائل الإعلام ضجيجا، وتحذيراً من الفوضى التي ستحدث لو لم يسمح لهم بتولى مقاليد الامور..اصبحت ثقافة التخويف والوعيد هي المسيطرة علي الاجواء.. الكل يخاف على البلد،الكل يحذر من الفوضى،الكل يشكك في المستقبل، اصبح الضجيج والصوت العالي معيار الكفاءة .
ايها السادة لن يتحقق الاستقرار والازدهار ، إلا إذا تخلص الناس من سياسيي العوامات،الذين أثبتت التجربة في السنوات الماضية أنهم جاءوا لخدمة مصالحهم والكتل التي ينتمون إليها، فازدادوا ثراء فوق ثرائهم، وتخمة فوق تخمتهم.









