TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > زراعة الحنطة في النجف بين شحّ السيولة وتعطّل التصليح.. خطط حكومية محكمة وحقول عالقة بأزمة الوقود

زراعة الحنطة في النجف بين شحّ السيولة وتعطّل التصليح.. خطط حكومية محكمة وحقول عالقة بأزمة الوقود

نشر في: 14 ديسمبر, 2025: 12:01 ص

 النجف /عبدالله علي العارضي

مع انطلاق تطبيق الخطة الزراعية الخاصة بمحصول الحنطة لموسم 2025–2026 في محافظة النجف، بدت الصحراء هذه المرة في واجهة المشهد الزراعي. الخطة التي صادقت على زراعة نحو 191 ألف دونم من الأراضي الصحراوية تأتي ضمن توجه وطني أوسع يعتمد على استثمار المياه الجوفية، بالتوازي مع تشديد حكومي واضح على منع استلام أي محصول حنطة مزروع خارج الخطة الرسمية، في محاولة لضبط الموارد وضمان الأمن الغذائي باستخدام تقنيات حديثة وأساليب ري محسوبة.
لكن، وعلى الأرض، لا تبدو الصورة بذات الانضباط الذي تعكسه البيانات الرسمية. فمع بدء الموسم، عادت أزمة السيولة النقدية لتتحول إلى كابوس يومي يلاحق الفلاحين، وتحديداً عند بوابة المضخات التي يفترض أن تنقل المياه إلى الأراضي المشمولة بالخطة. أزمة لا تتوقف عند نقص الوقود فحسب، بل تتشابك مع أعطال المضخات، وتأخر الصيانة، وغياب التخصيصات المالية.

الوقود أغلى من المحصول
يقول معين الفتلاوي، وهو مزارع من مناطق البادية، لـ(المدى): "عانينا كثيراً في أيام الزراعة من مسألة تجهيز المضخات الزراعية، سواء الحكومية أو الفلاحية. المضخات الفلاحية حُجب عنها الكاز بحجة تقليص الخطة الزراعية، واضطررنا لشراء البرميل بأسعار تجارية وصلت إلى 130 و135 ألف دينار. أما المضخات الحكومية البرمائية، فهناك إزعاج كبير في تجهيز الكاز وتصليح الأعطال، والموارد المائية تقول لا توجد سيولة، فبالتالي المشكلة فنية وتشغيلية، ونحن المتضرر الأول".

الجمعيات الفلاحية: لماذا يُستثنى الفلاح؟
من جانبه، يضع عبد الأمير محسن، رئيس الجمعيات الفلاحية في النجف، المشكلة في إطارها الأوسع، قائلاً لـ(المدى): "هناك أزمة حقيقية في استلام مستحقات الفلاحين من مادة الكاز. أغلب الفلاحين يمتلكون مضخات زراعية، والسؤال الذي نطرحه دائماً: لماذا تُعطى مادة الكاز للمولدات مجاناً، بينما الأراضي الزراعية التي ترفد خزين الدولة بالمحاصيل لا تحصل على الوقود؟ نحن لا نطالب بالمجانية، بل على الأقل بالسعر الرمزي".

النفط: لا توجد أزمة
في المقابل، ينفي نوار الخفاجي، مدير إعلام المنتجات النفطية في النجف، وجود أي شح في مادة الكاز، ويؤكد لـ(المدى): "لا توجد أزمة كاز في النجف، وكل ما يُتداول عن هذا الموضوع غير صحيح. أما ما يخص عدم تجهيز بعض الدوائر مثل مضخات الموارد المائية، فنحن جهزناها بالكامل ولا توجد مشكلة من جانبنا. تشغيل هذه المضخات ليس من صلاحيات مديرية المشتقات النفطية. نعم، توجد ديون مالية على الدوائر، لكن حصلنا على استثناء لنهاية السنة لتجهيز المديريات بالكاز والبنزين".

الموارد المائية: أنجزنا رغم العجز
أما مدير الموارد المائية في النجف، شاكر العطوي، فيقدّم صورة مختلفة، يقر فيها بحجم التحديات، ويقول لـ(المدى): "لغاية الآن لا توجد مشكلة تعيق الخطة، وأغلب الأراضي الزراعية زُرعت بالكامل، علماً أن الخطة الزراعية الشتوية لمحصول الحنطة لا تتجاوز 35% من المساحة الكلية للمحافظة. تم استزراع ما نسبته 95% من المساحة المقررة، ولا تزال الحصص المائية تؤمن بالتتابع لباقي المناطق التي لم تصلها المياه".
ويضيف العطوي: "نواجه معاناة كبيرة بسبب الأزمتين المائية والمالية، مع نقص حاد في واردات نهر الفرات بفرعيه الكوفة والعباسية، وقلة التخصيصات المالية. ورغم ذلك، أنجزنا زراعة أكبر مساحة ممكنة دون التجاوز على حصص المحافظات الأخرى". ويقر بوجود مشكلة في صيانة محطات الضخ، موضحاً: "هناك مشكلة كبيرة في صيانة محطات الضخ بسبب عدم توفر التخصيصات المالية، والسبب يعود إلى سوء إدارة وزارة المالية وعدم التزامها بالموازنة العامة. تجهيز مادة زيت الغاز يتم حالياً بالدفع الآجل كديون بين الوزارتين، ولا توجد مشكلة فنية، إنما مالية بحتة. ويكشف عن فجوة كبيرة في الوقود: "طلبنا زيادة الحصة الوقودية، والكمية المطلوبة تتجاوز 400 ألف لتر، بينما ما يُستلم حالياً لا يتعدى 112 ألف لتر، والطلب لا يزال قيد الدراسة في وزارة النفط".

صوت آخر من الحقول
في أحد الحقول القريبة من شط المشخاب، يعبّر الفلاح حسين جاسم العوادي عن قلقه قائلاً لـ(المدى): "زرعنا الأرض والتزمنا بالخطة، لكن نخاف أن نخسر الموسم بسبب الوقود. المضخة إذا توقفت يومين تحترق الزراعة. نشتري الكاز بالدين،، وفي النهاية لا نعرف هل سنُستلم محصولنا أم لا. الدولة تطلب منا الالتزام، ونحن نلتزم، لكن من يلتزم معنا؟”
بين خطط مكتوبة بدقة على الورق، وحقول تنتظر وقوداً وماءً ، تبقى زراعة الحنطة في النجف معلقة بين إرادة فلاح يحاول الصمود، ومؤسسات تتقاذف المسؤولية، فيما يبقى السؤال مفتوحاً مع تقدم الموسم: هل تكفي الوعود لإنقاذ الحقول قبل أن يجف العرق والماء معاً؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

أزمة الرواتب تتفاقم.. تضارب الأرقام يكشف فجوة مالية خطيرة واعتماداً مقلقاً على النفط

أزمة الرواتب تتفاقم.. تضارب الأرقام يكشف فجوة مالية خطيرة واعتماداً مقلقاً على النفط

بغداد/ يمان الحسناوي يشهد ملف رواتب الموظفين في العراق تباينًا لافتًا في التصريحات بين الجهات الحكومية، في وقت تتزايد فيه مخاوف الشارع من أزمة مالية محتملة قد تؤثر على انتظام صرف الرواتب، وسط ظروف...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram