TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > أزمة الرواتب تتفاقم.. تضارب الأرقام يكشف فجوة مالية خطيرة واعتماداً مقلقاً على النفط

أزمة الرواتب تتفاقم.. تضارب الأرقام يكشف فجوة مالية خطيرة واعتماداً مقلقاً على النفط

نشر في: 14 ديسمبر, 2025: 12:08 ص

بغداد/ يمان الحسناوي
يشهد ملف رواتب الموظفين في العراق تباينًا لافتًا في التصريحات بين الجهات الحكومية، في وقت تتزايد فيه مخاوف الشارع من أزمة مالية محتملة قد تؤثر على انتظام صرف الرواتب، وسط ظروف اقتصادية معقدة واعتماد شبه كلي على الإيرادات النفطية.
فبينما تؤكد وزارة المالية أن إجمالي الإنفاق الشهري على الرواتب يبلغ 6 تريليونات دينار فقط، تظهر بيانات وتحليلات أخرى، صادرة عن خبراء وموثقة في سجلات الوزارة نفسها، أن الرقم الحقيقي يتجاوز 7.5 تريليون دينار شهريًا.
هذا التفاوت في الأرقام لا يعكس مجرد اختلاف فني في طريقة الحساب، بل يكشف عن فجوة أوسع في الخطاب المالي الرسمي، ويثير تساؤلات جدية عن مدى دقة البيانات التي يُبنى عليها التخطيط المالي في البلاد.
رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني حاول من جانبه طمأنة الرأي العام، مؤكداً أن الرواتب مضمّنة ضمن النفقات التشغيلية المعتمدة في موازنة 2024، التي يبلغ حجم إنفاقها 152 تريليون دينار من أصل موازنة كلية تُقدّر بـ220 تريليون دينار.
وأوضح في مقابلة متلفزة أن نحو 90 تريليون دينار خُصصت للرواتب، وشبكات الرعاية الاجتماعية، والمتقاعدين، والتمويل الذاتي، والمنح، ضمن نفقات تشغيلية تبلغ 125 تريليون دينار، فيما توجّهت 35 تريليون دينار لتغطية كلفة البطاقة التموينية، وشراء الغاز والكهرباء والأدوية، وتسديد مستحقات الفلاحين.
لكن هذا الطرح لم يمر دون اعتراض. فقد نفت وزارة المالية ما ورد في تصريحات لأحد النواب بشأن وجود عجز شهري في تغطية الرواتب بقيمة 2 تريليون دينار، مشيرة إلى أن هذه المعلومة غير دقيقة، وأن الرقم المذكور يمثّل جزءًا من الإيرادات النفطية المتحققة والمخصصة لتمويل رواتب الشهر اللاحق، في إطار الدورة النقدية المعتادة. وبيّنت الوزارة أن الرواتب تصرف وفق جداول دقيقة تردها من الوزارات، وتراعي الاستقطاعات القانونية والضريبية.
في المقابل، كشف الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي، استناداً إلى بيانات منشورة على الموقع الرسمي لوزارة المالية، أن إجمالي الرواتب المدفوعة خلال الأشهر التسعة الأولى من عام 2025 بلغ 68.155 تريليون دينار، بمعدل شهري يبلغ 7.572 تريليون دينار، مشيراً إلى أن هذا الرقم يشمل تعويضات الموظفين، الرواتب التقاعدية، المنح، الأجور، ورواتب الحماية الاجتماعية.
وأكد أن الرقم المُعلن من الوزارة لا يعكس التكلفة الحقيقية للرواتب، متسائلًا عن أسباب هذا التناقض في الطرح الرسمي.
من جانبه، أكد مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية والاقتصادية، مظهر محمد صالح، أن وزارة المالية تُعد الجهة السيادية المعنية بإعلان إجمالي الإيرادات العامة الشهرية، سواء كانت نفطية أو غير نفطية، بالإضافة إلى الإيرادات النقدية الناتجة عن الاقتراض أو أي تدفقات مالية أخرى.
وأوضح صالح لـ(المدى)، أن صرف الرواتب الشهرية يعتمد بشكل دقيق على الجداول الفعلية التي تقدمها الوزارات والهيئات والمؤسسات الحكومية إلى وزارة المالية، والتي تعتمدها دائرة المحاسبة لتحديد التمويل الشهري المخصص للرواتب والتخصيصات.
وبيّن أن هذه الجداول تُعد بتفصيل دقيق، وتشمل كافة التفاصيل المتعلقة بالرواتب والمخصصات، إضافة إلى الاستقطاعات الضريبية والتقاعدية وغيرها من الاستقطاعات القانونية.
وينفق العراق نحو 100 تريليون دينار سنويًا على رواتب الموظفين والمتقاعدين، تذهب 40 تريليون منها على الأقل للمسؤولين الكبار.
وبلغت موازنة 2024، الأخيرة، أكثر من 144 تريليون دينار، بعجز يتجاوز 63 تريليون دينار.
ويُوجد في العراق نحو 6 آلاف موظف من أصل نحو 4 ملايين، يُعرفون بـ”الدرجات الخاصة”، تستحوذ هذه المجموعة على حصة الأسد من الرواتب. حاول البرلمان والحكومات السابقة “ترشيق الإنفاق” ووضع “سُلَّم رواتب”، لكنه فشل أمام اعتراض أصحاب “الرواتب العليا».
ويواجه العراق مخاطر عدّة بسبب اعتماد اقتصاده على “النفط”، وهي سلعة تتقاذفها الأزمات السياسية والأمنية في العالم.
في أحدث اضطرابات بالعراق، قاد تربويون “إضرابًا” ليوم، ويومين في بعض المدن، بسبب تدنّي الرواتب.
ويُقدّر عدد الدرجات الوظيفية لمنصبي “وكيل وزير” و”مدير عام” بأكثر من 500 درجة (أ) ونحو 5030 درجة (ب)، وهو عدد يفوق ما موجود في بريطانيا وأميركا، بحسب خبراء.
وينقسم الموظفون في العراق إلى 10 درجات وظيفية، فضلًا عن الدرجة (أ) الخاصة، وهم في مناصب: وكيل وزير أو سكرتير أو مستشار في الرئاسات الثلاث، وصولًا إلى درجة السفير.
أما الدرجة العليا (ب) فتشمل وظائف المدير العام والمهمات الإشرافية العليا، ومن ثم تُقسم الدرجات الوظيفية من التسلسل العاشر نزولًا إلى الدرجة الأولى.
إضافة إلى ذلك، هناك أكثر من 20 وزيرًا، وأكثر من 300 نائب أو وكيل وزير، مع الرؤساء الثلاثة (الجمهورية - البرلمان - الوزراء)، ليكون المجموع أكثر من 6 آلاف درجة تستنزف قرابة 40% من إجمالي رواتب الدولة، تُقسّم على هيئة رواتب ومخصصات وحمايات أمنية وإيفادات سفر، وفقًا لخبراء.
إلى ذلك، رأى الباحث في الشأن الاقتصادي والمالي، علي دعدوش، أن التباين بين أرقام وزارتي المالية والنفط بشأن الإيرادات الشهرية يعد أمراً طبيعياً، مرجعاً السبب إلى اختلاف منهجية احتساب الإيرادات لدى الجهتين.
وأوضح دعدوش خلال حديث لـ(المدى)، أن “وزارة النفط تعلن عن الإيرادات الإجمالية لعائدات التصدير عند لحظة البيع، بينما تعتمد وزارة المالية على الإيرادات الصافية عند دخولها فعلياً إلى الخزينة العامة، بعد استقطاع تكاليف الشحن والتسويق والتسويات المالية”، لافتاً إلى أن “فارق التوقيت بين الإعلانين قد يصل إلى 45 يوماً».
وفيما يتعلق ببند الرواتب، أشار دعدوش إلى أن “الرقم المُعلن في بيان وزارة المالية والبالغ 6 ترليونات دينار لا يعكس الكلفة الكاملة للرواتب”، موضحاً أن “هذا الرقم يشمل رواتب الموظفين المدنيين والعسكريين فقط، ولا يتضمن مخصصات الخطورة والشهادات، ولا رواتب العقود والأجور اليومية، ولا رواتب الشركات الممولة ذاتياً، أو الرواتب التقاعدية، وكذلك إعانات الحماية الاجتماعية».
وخلص إلى أن “الرقم الأدق لحجم بند الرواتب والتعويضات، بعد إضافة جميع تلك المخصصات والدعم ضمن ما يسمى بالنفقات الحاكمة في جدول (ج) من الموازنة العامة، يتجاوز 7.5 ترليون دينار شهرياً”.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لأول مرة بعد الانتخابات…

لأول مرة بعد الانتخابات… "الإطار" يتسلّم "قائمة مرشّقة" لمرشحي رئاسة الحكومة

بغداد/ تميم الحسن للمرة الأولى منذ قرابة شهر، يتلقى "الإطار التنسيقي" قائمة شبه نهائية بأسماء المرشحين لمنصب رئيس الحكومة المقبلة. ورغم هذا التطور، لا تزال الافتراضات بشأن موعد حسم مرشح رئاسة الوزراء غامضة، مع...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram