TOP

جريدة المدى > سياسية > القائم بالأعمال الأميركي لـ(المدى): حان الوقت لتفكيك الجماعات المسلحة

القائم بالأعمال الأميركي لـ(المدى): حان الوقت لتفكيك الجماعات المسلحة

رسائل واشنطن الأخيرة: إمّا الدولة أو العزلة

نشر في: 14 ديسمبر, 2025: 12:09 ص

بغداد/ تميم الحسن

في كواليس ما بعد الانتخابات، يقف «الإطار التنسيقي» أمام مفترق طرق لا يشبه ما سبقه. اختبار قاسٍ لتشكيل الحكومة المقبلة، حيث لا يملك ترف الوقت ولا هامش المناورة المعتاد: إمّا الاقتراب من واشنطن، أو انتظار مفاجآت قد لا تكون في صالحه.
خلال الأسابيع التي تلت انتخابات الشهر الماضي، لم تكن الرسائل القادمة من الجانب الأميركي عابرة. مسؤولون في واشنطن نقلوا إلى التحالف الشيعي ما يشبه "خارطة طريق" واضحة المعالم، تُقرأ بوصفها عرضاً سياسياً بقدر ما هي إنذار مبطن.
الخارطة، بحسب ما تسرّب من تفاصيلها، تبدأ بشرط حاسم: إبعاد فوري للجماعات المسلحة المدعومة من طهران عن أي موقع رسمي في الدولة، بلا استثناءات ولا صيغ رمادية. في المقابل، تعد واشنطن بغداد بحزمة مغرية: عشرات المليارات من الدولارات، شراكات اقتصادية طويلة الأمد، ودعم سياسي فعّال.
وكان "الإطار" قد أعلن الشهر الماضي نفسه الكتلة الأكبر في البرلمان، بعدد يصل إلى 170 نائباً، إثر انضمام كتلة "الإعمار والتنمية" التي يتزعمها رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد شياع السوداني. هذه الكتلة كانت صاحبة الحصة الأكبر في الانتخابات الأخيرة، بحصولها على 46 مقعداً، ما أعاد رسم موازين القوة داخل التحالف الشيعي.
وللمرة الأولى منذ شهر، بدا أن الضباب ينقشع قليلاً داخل أروقة "الإطار التنسيقي". قائمة شبه نهائية بأسماء المرشحين لرئاسة الحكومة وصلت أخيراً إلى قادة التحالف، في خطوة بدت وكأنها إيذان بانتقال المفاوضات من مرحلة الجس إلى مرحلة الفرز.
لكن هذا التقدم، على محدوديته، لم يبدّد الغموض المحيط بالموعد النهائي لحسم اسم رئيس الوزراء المقبل. على العكس، تشير التقديرات داخل الكواليس السياسية إلى أن النقاش قد يطول لأسابيع، وربما يمتد لأشهر إضافية، في ظل تشابك الحسابات وتضارب الأولويات.
وبحسب اتصالات أجرتها (المدى) في وقت سابق، مع شخصيات مطلعة على مسار التفاوض داخل التحالف الشيعي، فإن الإطار يبحث عن شخصية قادرة على الحفاظ على القرار السياسي داخل البيت الشيعي، مع مراعاة المتطلبات الأميركية لإدارة المرحلة المقبلة.
وتشير تقديرات مراقبين إلى أن "الإطار" بدأ يبطئ وتيرة تحركاته بانتظار ما يوصف بـ"الضوء الأخضر" من واشنطن.
السفارة الأميركية: "حان الوقت»
في المقابل، تنفي السفارة الأميركية في بغداد أي تدخل مباشر في مسار تشكيل الحكومة العراقية، مؤكدة أن واشنطن لا تسعى إلى فرض أسماء أو صيغ سياسية بعينها.
غير أن هذا النفي لا يخلو من رسائل واضحة، إذ تقرّ السفارة بأنها قدّمت نصائح مباشرة للقادة العراقيين، في مقدمتها الدعوة إلى "حل الميليشيات».
وفي حديث خاص لـ(المدى)، قال جوشوا هاريس، القائم بأعمال السفير الأميركي في بغداد: "لقد حان الوقت لاتخاذ إجراءات عراقية، وبشكل عاجل، لبدء تفكيك هذه الجماعات من الميليشيات المدعومة من الخارج ، والتي تقوّض سيادة العراق والشراكة القوية بين العراق والولايات المتحدة.»
واضاف: "إن اختيار شكل الحكومة العراقية المقبلة هو قرار عراقي، أما كيفية تعامل الولايات المتحدة معها فهو قرار أمريكي.»
واكد هاريس "إن إشراك الميليشيات والجماعات الخاضعة لأجندات خارجية في الحكومة العراقية المقبلة سيكون غير متوافق مع شراكة قوية بين الولايات المتحدة والعراق».
الفصائل تحاصر "الإطار»
ومن جهة أخرى، لا يواجه "الإطار التنسيقي" الضغوط الآتية من الخارج وحدها، بل يجد نفسه محاصَراً أيضاً بضغوط داخلية متصاعدة تقودها "الفصائل" المسلحة، التي ترى أن نتائج الانتخابات منحتها حقاً مباشراً في اقتسام "الكعكة" السياسية، بعد أن حصدت مجتمعة أكثر من 80 مقعداً في البرلمان.
ووفق المعطيات السياسية، فإن هذه الجماعات لا تنظر إلى معركة تشكيل الحكومة بوصفها صراعاً على منصب واحد فقط. فإذا تعذّر وصولها إلى رئاسة الوزراء، أو فشلها في إيصال شخصية مؤيدة أو قريبة منها إلى المنصب، فإن سقف مطالبها لا يقلّ طموحاً: وزارات سيادية، ومواقع أمنية حساسة تضمن لها نفوذاً مباشراً داخل الدولة.
هذا الضغط يضع "الإطار التنسيقي" أمام معادلة معقّدة. فالإطار كان قد اضطر، في وقت سابق، إلى توسيع تحالفه ليضم أكبر عدد ممكن من القوى الشيعية، بما فيها تلك التي لم تحصد سوى مقعدين أو ثلاثة، من أجل تثبيت نفسه بوصفه الكتلة البرلمانية الأكبر. غير أن هذا التوسّع جاء بكلفة سياسية واضحة.
فهذه الأطراف الصغيرة، التي أصبحت جزءاً من التحالف، لا تبدو مستعدة لمنح الحكومة المقبلة "صكا على بياض". موافقتها، كما تشير التقديرات، ستكون مشروطة بضمان "المكاسب الموعودة"، ما يجعل ولادة الحكومة الجديدة رهينة شبكة معقّدة من المطالب، يصعب تلبيتها جميعاً من دون إثارة أزمات جديدة داخل التحالف نفسه.
احتمالات المواجهة… والمكافأة
كل ذلك يضع "الإطار التنسيقي" ــ ومعه الحكومة المقبلة ــ أمام احتمال مواجهة مباشرة مع واشنطن. فالصيغة السياسية التي تتشكل في بغداد لا تبدو، وفق هذا المسار، محل قبول أميركي، ما يفتح الباب أمام ردود قد تلجأ فيها الولايات المتحدة إلى "جميع الخيارات"، بعضها قد يأتي على شكل مفاجآت غير محسوبة في توقيتها أو أدواتها.
وبحسب معلومات حصلت عليها (المدى)، فإن الإدارة الأميركية تعمل على تثبيت معادلة "السلام الإقليمي"، لكنها في الوقت نفسه لا ترى في ذلك التزاماً أحادياً يقيّد قدرتها على حماية قواتها ومصالحها من أي تهديد محتمل، ولا سيما تلك الصادرة عن الفصائل القريبة من طهران. فواشنطن، كما تنقل هذه المصادر، تميّز بوضوح بين دعم الاستقرار وبين التغاضي عن نفوذ السلاح خارج الدولة.
وتلفت المعلومات إلى أن القادة العراقيين باتوا يدركون جيداً ما الذي يدفع بالعلاقة مع الولايات المتحدة إلى الأمام، وما الذي يعيدها إلى الوراء. القرار، في نهاية المطاف، يبقى بيد بغداد: إما تثبيت سيادتها عبر خيارات سياسية متوازنة، أو الانزلاق إلى صراعات وحروب بالوكالة، ترى واشنطن أن طهران تسعى إلى إشعالها على الأرض العراقية.
في المقابل، فإن تبنّي بغداد لقرارات تصب في خانة التهدئة والسلام قد يفتح الباب أمام شراكة سياسية واقتصادية وازنة مع الولايات المتحدة، يدرك صانعو القرار في العراق أهميتها.
وتؤكد أوساط أميركية أن هناك اتفاقيات وعقوداً جاهزة مع شركات نفط أميركية كبرى، تنتظر الضوء الأخضر الحكومي، وتصل قيمتها إلى عشرات المليارات من الدولارات.
وفي هذا السياق، كشفت السفارة الأميركية عن جانب من التحركات الدبلوماسية المباشرة. ففي الأسبوع الماضي، التقى جوشوا هاريس، القائم بأعمال السفير الأميركي في بغداد، مستشار الأمن القومي قاسم الأعرجي، حيث شدد، بحسب بيان رسمي للسفارة، على "ضرورة الحفاظ على سيادة العراق، وحماية بنيته التحتية من هجمات الميليشيات المرتبطة بإيران».
هذا الموقف لم يكن معزولاً. فقد سبق أن أطلق مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى العراق، مارك سافايا، تحذيراً لافتاً من تداعيات استمرار الجماعات المسلحة خارج إطار الدولة. وفي تدوينة نشرها على منصة "إكس"، قال سافايا إن العراق قد يواجه "تفككاً واضطراباً وعزلة دولية" إذا استمر هذا الواقع.
وأضاف أن العراق يقف "أمام واحدة من أكثر اللحظات حساسية في تاريخه الحديث"، محذراً من أن بقاء الجماعات المسلحة خارج سيطرة الدولة لا يهدد فقط الأمن الداخلي، بل "يقوّض مكانة العراق الإقليمية والدولية، ويضرب فرص نهوضه واستقراره على المدى البعيد".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

مقالات ذات صلة

لأول مرة بعد الانتخابات…
سياسية

لأول مرة بعد الانتخابات… "الإطار" يتسلّم "قائمة مرشّقة" لمرشحي رئاسة الحكومة

بغداد/ تميم الحسن للمرة الأولى منذ قرابة شهر، يتلقى "الإطار التنسيقي" قائمة شبه نهائية بأسماء المرشحين لمنصب رئيس الحكومة المقبلة. ورغم هذا التطور، لا تزال الافتراضات بشأن موعد حسم مرشح رئاسة الوزراء غامضة، مع...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram