ذي قار / حسين العامل
كشف أكاديميون واتحاد المقاولين في محافظة ذي قار عن جانب من تداعيات تأخر صرف المستحقات المالية للشركات والمقاولين المتعاقدين على تنفيذ المشاريع الحكومية، مشيرين إلى أن الأزمة المالية باتت تهدد 500 شركة مقاولات في ذي قار بالإفلاس، فيما قرر أصحاب الشركات والمقاولون في جميع المحافظات العراقية تنظيم تظاهرة، اليوم الاثنين، أمام المنطقة الخضراء في بغداد.
وقال رئيس اتحاد المقاولين في محافظة ذي قار، علي كاظم سلطان الجابري، لصحيفة «المدى»، إن «المستحقات المالية للمقاولين لم تُصرف منذ نحو سنة ونصف، رغم إنجاز مراحل متقدمة من العمل، أو إنجاز العمل بالكامل في حالات أخرى»، لافتًا إلى أن «ذلك انعكس على مجمل عمل الشركات التي اضطرت إلى إيقاف أعمالها، وكذلك على حركة السوق المحلية، إذ بات آلاف العاملين في المشاريع الحكومية عاطلين عن العمل، ناهيك عن تأثير توقف المشاريع على مستوى الخدمات». وكشف الجابري أن «500 شركة ومقاول في ذي قار باتوا اليوم بحكم المفلسين»، مبينًا أن «ما بذمة الجهات الحكومية لشركات المقاولات العاملة في المحافظة يُقدَّر بنحو 500 مليار دينار»، ومتحدثًا عن «تسويف متواصل ووعود حكومية بإطلاق السلف لم يتحقق أي منها حتى الآن». وأضاف أن «هذا الأمر جعل الثقة معدومة بين الحكومة والقطاع الخاص، ولا سيما أن الأمر تكرر لأكثر من مرة»، مستذكرًا «الأزمة المالية السابقة التي حصلت عام 2014 وما نجم عنها من آثار مدمرة أعادت شركات ومقاولين متعاقدين على تنفيذ المشاريع الحكومية إلى المرحلة الصفرية».
وأوضح الجابري أن «العديد من المقاولين أنفقوا جل أموالهم لتنفيذ المشاريع، واضطر عدد غير قليل منهم إلى بيع أملاكه بأبخس الأثمان لتسديد المستحقات المترتبة على شراء مواد العمل وأجور العمال والآليات الداخلة في تنفيذ المشاريع»، متطرقًا إلى «ما نتج عن ذلك من مشاكل ونزاعات بين أصحاب العمل والمتعاملين معهم بسبب الأزمة المالية».
وتساءل الجابري عن الأسباب التي دفعت الحكومة إلى «تورط المقاولين بمشاريع غير مضمونة التمويل»، مشيرًا إلى أن «رئيس الوزراء، في بداية تسنمه المنصب، طلب من الشركات العمل بنظام ثلاث وجبات يوميًا لتسريع وتيرة الإنجاز»، مضيفًا أن «الشركات أوفت بجميع التزاماتها، غير أن ما حصل شكّل صدمة اقتصادية ومالية لأصحاب الشركات والقطاع الخاص وسوق العمل عمومًا، بعدما قوبل هذا الإنجاز بعدم صرف المستحقات المالية الملزمة ضمن عقود تنفيذ المشاريع».
وأكد رئيس اتحاد المقاولين أن «تظاهرة للمقاولين وأصحاب الشركات ستنطلق اليوم الاثنين أمام المنطقة الخضراء في بغداد، بمشاركة ممثلين عن جميع المحافظات».
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة ذي قار، الدكتور نجم عبد طارش، أن «عدم تسديد مستحقات المقاولين وأصحاب الشركات من شأنه التسبب بآثار كارثية على حركة العمل ونشاط القطاع الخاص»، موضحًا في تدوينة نشرها على مدونته الشخصية وتابعتها «المدى»، أن «عدم قدرة وزارة المالية على تسديد مستحقات وديون المقاولين العراقيين في نحو أربعة آلاف مشروع في عموم المحافظات يعد مشكلة تمتد آثارها الكارثية لتشمل قطاعات أخرى».
وبيّن طارش أن «حجم الأموال المستحقة للمقاولين يتراوح بين 7 و9 تريليونات دينار، أي ما يعادل نحو 6 مليارات دولار»، لافتًا إلى أن «آثار الأزمة المالية على الشركات ستؤدي إلى حرمان عشرات الآلاف من فرص العمل»، موضحًا أن «كل تريليون دينار يوفر ما يقرب من 40 ألف فرصة عمل، ما يعني خسارة نحو 300 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة». وحذّر من انعكاس ذلك على «القدرة الشرائية والناتج القومي الإجمالي وارتفاع معدلات البطالة، فضلًا عن فقدان الثقة بالنظامين المالي والنقدي في العراق».
وأشار طارش إلى أن «تعطل المشاريع سيعرّض الكثير منها إلى التآكل والتلف والانهيار، ما سيسبب خسائر إضافية»، معتبرًا أن «المشكلة ليست وليدة اللحظة، بل هي حصيلة أخطاء متراكمة وسلوكيات مالية ونقدية وسياسية تمثلت في تجاهل مؤشرات الخطر التي ظهرت في الإنفاق العام، وعدم كفاءة الإدارة المالية والنقدية، وغياب الشفافية»، لافتًا إلى أن «ذلك يبعث برسائل سلبية عن حال الاقتصاد في البلاد».
وختم طارش بالقول إن «الأزمة الراهنة لا تعكس قضية مستحقات لشركات ومقاولين فحسب، بل تعبّر عن أزمة هيكلية عميقة في الاقتصاد العراقي جرى تجاهلها لأكثر من عشرين عامًا».
وكانت اتحادات مهنية تمثل المقاولين ورجال الأعمال في ذي قار قد حذّرت، في 4 تشرين الأول 2025، من ركود اقتصادي وخسائر فادحة تتكبدها الشركات نتيجة تأخر صرف المستحقات المالية للشركات المتعاقدة على تنفيذ المشاريع الحكومية، فيما كشف اتحاد المقاولين في المحافظة عن توقف أكثر من 100 مشروع خدمي وتنموي يُنفذ ضمن مشاريع صندوق إعمار ذي قار.
ويأتي ذلك في ظل ما تواجهه محافظة ذي قار من أزمة مالية في تمويل مشاريع الخطط التنموية ومشاريع صندوق الإعمار، إذ كشف اتحاد المقاولين في مطلع آذار 2025 عن تضرر 250 شركة بسبب التأخر في إطلاق تخصيصات المشاريع الحكومية، معلنًا توقف عدد غير قليل من الشركات عن العمل نتيجة نقص التمويل.
وغالبًا ما يتكرر تأخر صرف المستحقات المالية للمقاولين والشركات المنفذة للمشاريع الحكومية بسبب نقص التمويل والروتين والإجراءات الإدارية المعقدة، ما يعيق تشجيع القطاع الخاص على أداء دوره الطبيعي في التنمية الاقتصادية، إذ سبق أن حذّر اتحاد المقاولين في ذي قار، في 28 كانون الأول 2024، من توقف 100 شركة عن تنفيذ المشاريع الحكومية بسبب عدم صرف مستحقاتها المالية، مشيرًا إلى أن الشركات لم تستلم سوى 16 بالمئة من تخصيصات عام 2023.










