حيدر نزار السيد سلمان
طبقاً لما يتسرب من داخل مكتب السيد السيستاني فإنه يمر بحالة صحية حرجة مع توافد الأطباء المتخصصين لمتابعة حالته، واستناداً إلى ذلك فإن الحديث عمّن سيخلفه بصدارة المرجعية الدينية النجفية أصبح أشد سخونة بالتداول والترجيحات حول الشخصية الأكثر توقعاً في تبوء هذا المنصب الروحي.
إذا حاولنا إجراء استقصاء بيوغرافي عن الشخصيات المؤهلة فقهياً وإدارياً وشعبياً للصعود إلى قمة التراتبية المرجعية فإن المعطيات تشي بوجود أربعة أو خمسة أسماء تتصدر قائمة المرشحين؛ يتقدمهم «محمد باقر الإيرواني» بعِمّة بيضاء والشيخان «حسن الجواهري» وشقيقه «محمد الجواهري» و«الشيخ هادي آل راضي» و«محمد رضا السيستاني» نجل المرجع. وبمقارنة بين هذه الأسماء على مستوى قوة التأثير والقيادة والسيطرة والقدرات الفقهية والكاريزما والنفوذ الاجتماعي والحوزوي وحتى السياسي يمكن لنا أن نلحظ تصدر محمد رضا السيستاني على بقية الأسماء. وعلى الرغم من شبكة العلاقات الواسعة له وإدارته لمكتب المرجع الأعلى لمدة طويلة بين عهدين ما قبل ٢٠٠٣ وما بعدها، بالإضافة إلى تأثيره السياسي والاجتماعي وقوة شخصيته بفعل مكانته الأسرية والحوزوية وصلابته بالتصدي لقضايا إشكالية، ومحاضراته ذات الحضور الواسع وبحوثه وتقاريره الفقهية والأصولية المتميزة، بيد أننا سنجد عقبة التوريث، فكونه ابن المرجع يشكّل عائقاً أمام تقدمه للصدارة. واعتماداً على ما يترشح من داخل الأوساط الحوزوية المؤثرة والقريبة من مكتب المرجعية فإن الوضع العام للمرجعية الدينية والتحديات التي تواجه الشيعة في العراق وخارجه، وضعف الخبرات عند أغلب المرشحين، فإن الكفةَ تميل بقوة لصالح محمد رضا السيستاني الذي تتوفر فيه كل الشروط المذكورة، فضلاً عن كونه نسج علاقات وثيقة مع طلبة الحوزة الذين ينظرون له باحترام وإعجاب. كما أن الحفاظ على تقاليد المدرسة النجفية وموقعها القوي أمام مدرسة قم الإيرانية ومحاولات الأخيرة في فرض سيطرتها ونفوذها تجعل من السيد محمد رضا ذا خبرة في إطار هذا التنافس وأنه الأجدر.
أما مسألة التوريث فقد تذوب بعد مدة قصيرة كعائق أمام هذا الاختيار نظراً للتحديات الحالية التي تجعل من محمد رضا السيستاني هو الشخصية الأكثر استحقاقاً لمنصب زعامة المرجعية الدينية. وتزداد هذه الفرضية بقوة التأثير المجتمعي والرضا الذي تحظى به من كل الأوساط الشعبية داخلياً وخارجياً، لا سيما أنه خبير بإدارة شؤون الحوزة والمرجعية والتعامل مع قضايا صعبة وخطيرة كالملف السياسي والموقف من القوى النافذة والسلطوية. وطبقاً لهذه الظروف ورغبة أغلب كبار رجال الدين المؤثرين في داخل الأوساط الحوزوية والمرجعية فإن السيد محمد رضا الذي أدار مكتب والده بجدارة طيلة مدة تاريخية مليئة بالأزمات والصعوبات، سيكون له الحظ الأوفر. مع ملاحظة أن الهدف هو الحفاظ على الخط المعتدل والحكيم الذي مثّله والدُه، وعدم الزج بمرجعية النجف بقضايا سياسية واجتماعية مثيرة للجدل. ولذا فإن السير بهذا الاتجاه -المعروف بالتقليدي- يمثل أولوية عند كبار رجال الدين، ويمكن تجاوز عقبة التوريث النادرة الحدوث بفترة انتقالية يتصدّى فيها الأربعة المذكورون في أعلاه لتناط فيما بعد إلى السيد محمد رضا السيستاني المدعوم بعلاقات اجتماعية واسعة وقوية، ومن شبكة وكلاء ورجال دين مؤثرين فضلاً عن طلبة الحوزة الذين يرون فيه أنموذجاً للفقيه الجامع للشرائط وصاحب المنجَز في الدراسات الدينية وبعقلية عصرية تتفاعل مع كل جديد.










