النجف/ عبدالله علي العارضي
لم تعد الشكاوى التي يطلقها سائقو الدلفري في النجف مجرّد حوادث عرضية، بل تحوّلت خلال الأسابيع الأخيرة إلى موجة واضحة تربك العاملين في هذا القطاع وتثير مخاوف السكان. فمع كل يوم جديد، يظهر بلاغ أو شهادة عن حادثة تسليب تستهدف سائقًا توجّه لإيصال طلب إلى أطراف المدينة، ليجد نفسه محاطًا بمجهولين يسلبونه هاتفه أو أمواله، وفي بعض الحالات يفقد دراجته النارية، التي تُعد مصدر رزقه الوحيد. السيناريو ذاته يتكرر: طلب توصيل، ثم استيقاف وسرقة. ويؤكد السائقون أن حوادث التسليب تتركّز غالبًا في الأحياء الشمالية والبعيدة عن مركز مدينة النجف، حيث يستغل المهاجمون قلة الحركة خلال ساعات المساء، والطرقات الفرعية المظلمة، للإيقاع بضحاياهم دون مقاومة تُذكر.
مصدر أمني قال لـ «المدى» إن المحافظة شهدت خلال الأسابيع الماضية عددًا من السرقات التي استهدفت المواطنين، ولا سيما العاملين في مجال التوصيل، مشيرًا إلى تسجيل حوادث في مناطق مكتب الرشيد وقرية الغدير ومنطقة العسكري. وأضاف أن شخصين شقيقين نفّذا خمس عمليات تسليب بحق سائقي الدلفري، لافتًا إلى أن المتهمين كانا قد أُطلق سراحهما قبل فترة قصيرة ضمن إجراءات العفو العام، لكنهما عادا إلى السلوك الإجرامي ذاته. وأوضح أن القوات الأمنية تابعت الملف، وتمكنت بعد جهد قصير نسبيًا من إلقاء القبض عليهما، وهما موقوفان حاليًا في مكتب إجرام الوفاء. ورغم هذا الإجراء، يرى سائقو الدلفري أن المشكلة باتت ظاهرة تتجاوز حادثة واحدة، وتتطلب معالجة أعمق لمنع تكرارها. يقول مؤمل محمد، وهو سائق دلفري، لـ «المدى»: «نحن نعمل من أجل إعالة عوائلنا، لكن في هذه الأيام أصبحنا نخشى الذهاب لتوصيل أي طلب، خصوصًا في المناطق البعيدة. صديقي عاد قبل يومين من دون هاتف ومن دون دراجته. نحتاج إلى دوريات ثابتة ومتابعة مستمرة، لا أن يكون التحرك بعد وقوع الحادث فقط».
بدوره، يشير علي حسن، سائق دلفري، إلى أن الطلبات الليلية تشكل مصدر قلق متزايد، موضحًا لـ «المدى»: «لا نستطيع رفض الطلبات لأنها مصدر رزقنا، لكن الطرق مظلمة ولا توجد دوريات كافية. نطالب بوجود كاميرات مراقبة ونقاط تفتيش فعّالة، لأن التسليب أصبح شبه يومي، والوضع بات مقلقًا».
أما سجاد رعد، وهو سائق آخر، فيقول إن بعض السائقين باتوا يتنقلون ضمن مجموعات عند تنفيذ الطلبات البعيدة، معتبرًا ذلك مؤشرًا واضحًا على حجم القلق، ويضيف لـ «المدى»: «نطالب بحل جذري، لا بالاكتفاء بالقبض على عصابة أو اثنتين. نحن نعمل بشرف ونستحق الشعور بالأمان».
في قراءة أمنية لأسباب تكرار هذه الحوادث، يوضح المراقب في الشأن العام كاظم الفتلاوي، وهو رجل أمن متقاعد، أن المناطق الطرفية غالبًا ما تكون أقل إنارة وأضعف من حيث الانتشار الأمني، ما يجعلها بيئة جاذبة للمجرمين الباحثين عن أهداف سهلة وسريعة. ويضيف لـ «المدى» أن قلة حركة المواطنين في تلك المناطق مقارنة بمركز المدينة تمنح منفذي الجريمة فرصة للهروب دون لفت الانتباه. كما يشير إلى أن ضعف الخدمات ووجود طرق ترابية وفرعية يزيدان من صعوبة السيطرة الأمنية، ويجعلان سائقي الدلفري أهدافًا مثالية، لكونهم يتنقلون بمفردهم ويحملون هواتف وأجهزة تُعد غنيمة سريعة.
ورغم الارتياح النسبي بعد توقيف المتهمين بعمليات التسليب الأخيرة، لا يزال القلق يخيّم على سائقي الدلفري في النجف. ويطالب العاملون في هذا القطاع بإجراءات مستدامة تشمل دوريات ليلية فعلية، ومنظومة كاميرات مراقبة فاعلة، وتحركات أمنية استباقية تمنع الجريمة قبل وقوعها. وفي وقت تؤكد فيه الأجهزة الأمنية استجابتها السريعة لأي بلاغ يردها، يرى السائقون أن ما يواجهونه بات قضية تمسّ لقمة عيشهم وأمان تنقلاتهم اليومية، في ظل اتساع المدينة عمرانيًا، مقابل حاجة ملحّة لرقابة أمنية تواكب هذا التوسع وتحدّ من تكرار حوادث التسليب.









