TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

نشر في: 16 ديسمبر, 2025: 12:03 ص

د. فالح الحمــراني

حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة، وتزيد من موجات الهجرة، وتنعكس على نطاق أوسع في آفاق التنمية الاقتصادية والأمن الغذائي. ويُعد هذا الوضع مقلقاً للشرق الأوسط بأكمله. ويرى خبراء اقتصاديون دوليون أن نقص المياه العذبة يشكل خطراً كبيراً على النظام الإقليمي وقد يؤثر سلباً في تصعيد الصراعات المسلحة. ويواجه كلا البلدين تحديات مستمرة تتمثل في الجفاف المتتالي، وارتفاع متوسط درجات الحرارة، وتغير أنماط تساقط الثلوج والأمطار التقليدية، بالإضافة إلى درجات حرارة الصيف الشديدة. وتناولت الدراسة بصورة مفصلة أبعاد الأزمة وتداعياتها الأمنية والاقتصادية، وحذرت من التراخي في اتخاذ تدابير عاجلة لمعالجتها جذرياً، كما وضعت خارطة طريق لمعالجة الأزمة المتفاقمة. سنعرض أدناه المحاور الرئيسية التي شملتها الدراسة.
وأشارت تقارير، وفقا للدراسة، إلى أن إيران والعراق شهدا نقصًا غير مسبوق في المياه العذبة مع نهاية عام 2025. وفي العراق، وخاصة في المناطق الجنوبية والبصرة، انخفضت مستويات نهري دجلة والفرات إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، مما أثر على ملايين المواطنين وزاد من تدهور الأوضاع الصحية. ومنذ آب 2025، يعاني جنوب العراق من نقص حاد في المياه. ووفقًا لتقارير إعلامية محلية ودولية، انخفضت مستويات نهري دجلة والفرات بنسبة 27-30% مقارنة بالفترات السابقة، ما أدى إلى آثار كارثية في البصرة، حيث تصطف طوابير طويلة من الناس للحصول على المياه، وارتفعت نسبة ملوحة مياه شط العرب، وتراجع التنوع البيولوجي البحري (فُقدان 26-30 نوعًا من الأسماك البحرية، وتدهورت تربية الأحياء المائية والحياة النباتية). وتشير معظم المعطيات إلى ارتفاع هجرة العائلات من المناطق المتضررة.
وإضافةً إلى الجفاف طويل الأمد وقلة الأمطار في الأشهر الأخيرة، تتفاقم أزمة المياه الحالية بسبب انخفاض تدفق نهري دجلة والفرات، بالإضافة إلى مشكلة تملح شط العرب المعقدة. ويعود ذلك إلى أن التدفق العكسي من الخليج العربي عبر شط العرب، عندما يكون تدفق النهر منخفضًا، يزيد من نسبة المعادن في المياه إلى مستويات غير مقبولة للشرب والري.
من المشاكل الأخرى التي تساعد على تفاقم الأزمة هي نقص تمويل البنية التحتية؛ فمحطات تحلية المياه المحلية (مثل محطة أبي الخصيب) لا تغطي سوى جزء من الاحتياجات، ولا تفي بالكميات المطلوبة أو بالتوزيع المنظم. كما يتأخر تنفيذ مشاريع تحلية المياه واسعة النطاق بصورة مزمنة لأسباب مختلفة.
وفي ظل استمرار انخفاض الاستثمار في البنية التحتية لإمدادات المياه والصرف الصحي، تزداد الأزمة حدة بشكل مطرد، مسببة مشاكل صحية للسكان، وارتفاع خطر عمليات النزوح الجماعي. ففي جنوب العراق، على سبيل المثال، يؤدي التلوث (مياه الصرف الصحي غير المعالجة، وتسربات النفط، والمخلفات الزراعية) إلى جانب تملح شط العرب، إلى زيادة الأمراض الجلدية وخطر تسمم المياه، وهي ظاهرة معروفة منذ سنوات.
وينعكس هذا الوضع سلبًا على النظام الزراعي المحلي. فبحلول خريف عام 2025، وصلت خزانات المياه العراقية (مثل الثرثار والحبانية) إلى أدنى مستوياتها منذ ثلاثة عقود، مما حرم الدولة من الاستفادة من نظام "شبكة الأمان" المصمم لمواجهة التقلبات الموسمية، لا سيما قبل مواسم الزراعة. وقد أصدر مسؤولو وزارة الزراعة العراقية تحذيرًا بشأن تعليق موسم زراعة القمح في أيلول، وانخفاض مخزونات الحبوب المحلية إلى ما دون المستويات المحددة. ويعاني الاقتصاد الريفي في العراق من أضرار مباشرة؛ إذ إن إلغاء موسم الزراعة (بما في ذلك القمح) وتراجع إمدادات المياه يقوّض دخل الأسر، مما يزيد الضغط للهجرة نحو المدن. كل ذلك ينذر بتفاقم الأزمة إلى مستوى وطني شامل ذي عواقب وخيمة على النظام الاقتصادي العراقي.
ولا تقل أزمة المياه حدة في إيران المجاورة؛ حيث شهدت خريفًا جافًا قياسيًا في عام 2025، بانخفاض هطول الأمطار بنسبة 81% عن المعدل التاريخي في بداية تشرين الأول، وتجاوزت درجات الحرارة 50 درجة مئوية صيفًا في عدة مناطق. ووصلت بعض الخزانات الرئيسية التي تغذي طهران إلى مستويات قياسية تقارب الصفر. ويحتوي سد أمير كبير/كرج، وهو أحد السدود الرئيسية في العاصمة الإيرانية، على 8% فقط من المياه التي تكفي لمدة أسبوعين. وأصدرت السلطات تحذيرًا في أوائل كانون الأول باحتمال "الإجلاء" في حال عدم هطول أمطار غزيرة بحلول نهاية العام، فضلًا عن احتمال انقطاع التيار الكهربائي ليلاً. وفي الوقت ذاته، تنتشر أزمة المياه بشكل واسع في جميع المحافظات الإيرانية. وتشير مصادر الأمم المتحدة إلى أن 19 سداً في أنحاء البلاد تحتوي على أقل من 5% من المياه. وكان يوم 10 كانون الأول أول هطول للأمطار في العاصمة منذ أشهر، لكن التقارير أشارت إلى أن هذا غير كافٍ لاستعادة المخزونات، في حين لا يزال الغطاء الثلجي في نظام جبال البر المغذي لطهران منخفضًا.
إن النقص المزمن في إمدادات المياه في طهران يفاقم خطر الإصابة بالعدوى المعوية والأزمات الصحية الثانوية (مثل تراكم القمامة وانقطاع التعقيم في المؤسسات الطبية)، كما يؤثر سلبًا على الإنتاج الزراعي.
قد تكون لأزمة المياه المتفاقمة في إيران والعراق نهاية هذا العام عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة، وتزيد من تدفقات الهجرة، وتلقي بظلالها على آفاق التنمية الاقتصادية والأمن الغذائي على نطاق أوسع. يمثل هذا الوضع مقلقًا للغاية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط بأسرها. ويحذر خبراء اقتصاديون دوليون من أن نقص المياه العذبة يشكل خطرًا جسيمًا على النظام الإقليمي وقد يسهم سلبًا في تصعيد النزاعات المسلحة. ويعاني كلا البلدين من اتجاهات طويلة الأمد تشمل الجفاف المتتالي، وارتفاع متوسط درجات الحرارة، وتغير أنماط تساقط الثلوج والأمطار التقليدية، إضافة إلى موجات الحر الشديدة في الصيف.
وقد وضعت الدراسة خارطة طريق لمعالجة أزمة المياه في إيران والعراق والمنطقة ككل، ترتكز على التعاون الإقليمي والتكامل الاقتصادي لضمان إدارة مشتركة أو منسقة لموارد المياه. ومع ذلك، تظهر اختلافات وطنية أيضًا. فبالنسبة للعراق، يبقى العامل الحاسم هو إدارة تدفقات المياه في أعالي نهري دجلة والفرات، فضلًا عن تأثير البنية التحتية لدى دول الجوار؛ مثل مشاريع السدود في إيران وسوريا، والتي تُغير أنماط التصريف وتؤدي إلى عجز موسمي وسنوي متقلب ومتزايد. كما تعيق "دبلوماسية المياه" غير المستقرة والمتضاربة في بغداد، والاضطرابات السياسية الداخلية، إرساء موقف تفاوضي متماسك والتوصل إلى اتفاقيات ثابتة مع الدول المجاورة بشأن حصص الاستهلاك وأنظمة الإدارة المشتركة.
أما بالنسبة لإيران، التي تتمتع باستقلالية أكبر واعتماد على مصادر المياه الداخلية، فإن القضية الرئيسية هي التوزيع الفعال للمياه بين القطاعات الاقتصادية (الزراعة والمناطق الحضرية)، فضلًا عن تدهور البنية التحتية لنظام المياه لديها نتيجة لنقص الاستثمار المزمن. تتمثل مشكلة أخرى تواجه قطاع المياه الإيراني في نقص ممارسات الري الحديثة – وفقًا لبيانات الخبراء، يتم إنفاق ما يصل إلى 90٪ من المياه على الزراعة منخفضة الكفاءة (كجزء من التركيز الاستراتيجي على الاكتفاء الذاتي الغذائي)، مما يؤدي إلى تفاقم نقص موارد المياه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram