محمد العبيدي/ المدى
أثار ربط الكونغرس الأميركي استمرار المساعدات الأمنية المقدّمة للعراق بجملة شروط تتعلق بتقليص نفوذ الفصائل المسلحة وتعزيز سلطة الدولة على السلاح، نقاشًا واسعًا داخل الأوساط السياسية والأمنية، ولا سيما مع تزامن هذه الخطوة مع مرحلة تشكيل الحكومة العراقية الجديدة، وما تحمله من استحقاقات داخلية وتوازنات حساسة.
وينص مشروع قانون تفويض الدفاع الوطني الأميركي (NDAA) للسنة المالية 2026 على عدم جواز إنفاق أكثر من 75% من الأموال المخصصة لقوات الأمن العراقية، ما لم يقدّم وزير الدفاع الأميركي شهادة رسمية تؤكد أن بغداد اتخذت «خطوات موثوقة» لتقليص القدرة العملياتية للفصائل غير المندمجة في المؤسسات الأمنية، عبر برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة الدمج القابلة للتحقق.
كما يتضمن القانون اشتراطات تتعلق بمحاسبة المتورطين في هجمات على قوات أميركية أو عراقية، وتعزيز السلطة العملياتية لرئيس الوزراء بصفته القائد العام للقوات المسلحة.
وبحسب نصوص المشروع، يُستثنى تمويل قوات البيشمركة في إقليم كردستان من هذه القيود، مع منح وزير الدفاع الأميركي صلاحية تعليق الشروط لمدة تصل إلى 180 يومًا إذا اعتُبر ذلك من مصلحة الأمن القومي الأميركي.
آثار مباشرة
وفي هذا السياق، يرى الخبير الأمني عبد الغني غضبان أن تأثير هذه الشروط يبقى مرهونًا بمدى قدرة الحكومة العراقية على الالتزام بتنفيذها عمليًا، محذرًا من تحوّلها إلى إجراءات شكلية في حال غياب الإرادة السياسية.
وقال غضبان لـ«المدى» إن «نجاح أي ضغط أميركي يتطلب قيادة سياسية وأمنية قادرة على حصر السلاح بيد الدولة، سواء عبر دمج الفصائل المسلحة ضمن المؤسسات الرسمية أو تفكيكها»، مشيرًا إلى أن «تعقيدات المشهد السياسي الداخلي وارتباط بعض الفصائل بتوازنات ودعم خارجي، ولا سيما من إيران، قد يدفع باتجاه الالتفاف على الشروط أو التفاوض بشأن استثناءات بدلًا من تنفيذها».
وأضاف أن «الكونغرس يمتلك أدوات ضغط مؤثرة، من بينها تجميد أو تقييد أجزاء من المساعدات المرتبطة بالتدريب وأنظمة الاتصالات وقطع الغيار»، لافتًا إلى أن «طرح تجميد نسبة من تمويل مكتب التعاون الأمني يمنح واشنطن ورقة تأثير مهمة، نظرًا لاعتماد القوات العراقية جزئيًا على هذا الدعم».
وتشير تقديرات أميركية إلى أن واشنطن تقدم مساعدات سنوية تتراوح بين 200 و400 مليون دولار للقوات الأمنية العراقية، تشمل التدريب، والدعم اللوجستي، وتوفير المعدات وأنظمة الاتصالات، إضافة إلى التعاون الاستخباري، وهو ما يجعل ربط هذه المساعدات بملف الفصائل المسلحة عاملًا مؤثرًا في معادلة الأمن والسياسة معًا.
مرحلة حسّاسة
من جهته، يربط الباحث والأكاديمي عصام الفيلي تراجع حجم المساعدات الأميركية بمسار العلاقة السياسية بين بغداد وواشنطن بعد عام 2023.
وقال الفيلي لـ«المدى» إن «العراق كان من أكثر دول المنطقة تلقّيًا للمساعدات الأميركية بعد 2003، لكنه شهد تراجعًا واضحًا في حجم الدعم العسكري خلال السنوات الأخيرة»، مبينًا أن «الولايات المتحدة خفّضت المساعدات بشكل كبير، لكنها في المقابل رفعت مخصصات جهاز مكافحة الإرهاب، وأعادت زيادة تمويل قوات البيشمركة ضمن موازنة 2026».
وأشار الفيلي إلى أن الاشتراطات الأميركية، ولا سيما ما يتعلق بمحاسبة منفذي الهجمات ضد القوات الأميركية، تمثل «العقدة الأهم»، لافتًا إلى أن «وضع المساعدات ضمن أطر زمنية قصيرة وبشروط صارمة قد يفتح الباب أمام توترات أوسع في الشراكة الاستراتيجية».
وأضاف أن «إضعاف التعاون العسكري قد ينعكس على قدرات الجيش العراقي، في وقت تمتلك فيه الفصائل المسلحة نفوذًا سياسيًا وبرلمانيًا واسعًا، ما يجعل تنفيذ هذه الشروط تحديًا يتجاوز الحكومة إلى مجمل المنظومة السياسية».
وتتزامن هذه التطورات مع مرحلة حساسة من المفاوضات لتشكيل الحكومة الجديدة، حيث يُنظر إلى ملف المساعدات الأميركية بوصفه ورقة ضغط مرتبطة ليس فقط بالجانب الأمني، بل أيضًا بتوازنات السلطة المقبلة، وشكل العلاقة بين الدولة والفصائل المسلحة، في ظل مساعٍ أميركية لإعادة ضبط نفوذها في العراق، مقابل واقع سياسي داخلي شديد التعقيد.