ترجمة: حامد أحمد
تناول تقرير لموقع «ذي ناشنال نيوز» الإخباري مبادرةً رعتها منظمة اليونسكو بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي لإحياء الجانب التراثي لمدينة البصرة القديمة، من خلال ترميم بيوت الشناشيل التراثية وقناة العشار التي كانت تُعرف يومًا بـ«بندقية الشرق»، حيث تمّ، بالتنسيق مع وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، إعادة ترميم وإحياء بيوت تراثية، إلى جانب جزء من القناة وثمانية جسور. ويشير التقرير إلى أنه من بين المشاريع الهادفة إلى تعزيز مكانة البصرة التاريخية والحضارية، بادرت منظمة اليونسكو إلى إطلاق مشروع بتمويل من الاتحاد الأوروبي لإحياء ما تبقى من بيوت الشناشيل وقناة العشار، اللتين تضررتا بشدة بفعل التوسع العمراني وشحّ المياه الذي يعاني منه العراق.
وبفضل جهود وكالة الأمم المتحدة الثقافية والاتحاد الأوروبي ووزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، جرى ترميم 11 بيتًا تراثيًا على طراز الشناشيل، إلى جانب جزء من القناة وثمانية جسور. كانت بيوت الشناشيل، بشرفاتها الخشبية البارزة والممتدة – وبعضها يعود إلى الحقبة العثمانية – على وشك الانهيار. وثلاثة منها قصور فخمة تُستخدم اليوم من قبل مؤسسات رسمية، هي: قصر الثقافة، واتحاد الأدباء، وجمعية الفنانين التشكيليين في البصرة.
وقد كانت هذه البيوت مملوكة لشخصيات بارزة، من بينها عبد اللطيف المنديل، أول وزير للتجارة في العراق، وعائلة خزعل الكعبي، حاكم عربستان. كما أن بيوتًا أخرى كانت تعود لعائلات يهودية ومسيحية. وقالت تمارا العطية، أستاذة في جامعة البصرة ومؤسسة «مؤسسة قنطرة الثقافية»: «هذه المنطقة غنية بقصص سكانها السابقين، قصص شخصيات أثرت وأسهمت في تشكيل التاريخ الحديث للبصرة».
تأسست المؤسسة عام 2023، وهي مكرسة لتعزيز الثقافة والفن في البصرة، وتنمية الإبداع والمشاركة المجتمعية من خلال مبادرات وبرامج فنية. وتتخذ المؤسسة مقرًا لها في أحد بيوت المدينة القديمة.
وترى العطية أن العولمة أسهمت في فقدان الهوية الثقافية. وتقول: «لهذا السبب، هناك اليوم حاجة لأن نشعر بهويتنا، وبتميزنا، وبالأشياء التي تفرقنا عن غيرنا، وأن نعود إلى جذورنا وأصالتنا». وتصف بيوت الشناشيل بأنها «آخر شاهد تراثي متبقٍ»، مضيفة: «لقد خسرنا الكثير منها، ولا يجب أن نخسر المزيد نظرًا لأهميتها».
الناشط التراثي، صادق الحسون (65 عامًا)، الذي كرّس جهوده للحفاظ على تراث مدينته البصرة، يقول وهو يستعيد ذكرياته عن معالم مدينته القديمة: «لقد كانت جنة»، مشيرًا إلى أن الأهالي سابقًا كانوا يسبحون في القناة التي كانت تستخدمها القوارب الصغيرة والسفن التجارية الكبيرة. ولا تزال صور الناس وهم ينزلون المدرج لجلب الماء للشرب والغسل محفورة في ذاكرته.
ويضيف بصوت يملؤه الأسى: «كل ذلك انتهى منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، بسبب الإهمال وعقود من الحروب التي لم تؤدِّ فقط إلى فقدان الأرواح، بل إلى ضياع تراث المدينة بأكملها». وفي السنوات الأخيرة، شهدت المدينة تظاهرات عنيفة ضمن الحراك المؤيد للديمقراطية الذي انطلق في أكتوبر/تشرين الأول 2019، فضلًا عن احتجاجات على تردي الخدمات العامة. وعلى الرغم من أن محافظة البصرة غنية بالنفط، فإن مدينتها الرئيسية بدت لسنوات وكأن التاريخ نسيها، وقد أنهكتها الصراعات المتكررة.
لكن مع تحسن الوضع الأمني والاستقرار السياسي في العراق خلال الأعوام الأخيرة، شهدت البصرة عملية تجميل واسعة عبر مشاريع متعددة موّلتها السلطات المحلية ومستثمرون. فقد استضافت المدينة بطولة كأس الخليج العربي لكرة القدم عام 2023، إلى جانب عدد من مباريات المنتخب العراقي.
يسهم مشروع الترميم تدريجيًا في إحياء معالم وتراث البصرة القديمة، ويوفر بارقة أمل لسكانها، ومنهم الناشط التراثي الحسون، حيث يقول: «أشعر وكأن جزءًا مني يعود إلى الحياة».
ومنذ عام 2012، كرّس الحسون جهوده للحفاظ على تراث مدينته والتعريف به. ففي ذلك العام، منحته السلطات المحلية مساحة داخل قصر الثقافة لعرض مقتنيات أثرية جمعها منذ ثمانينيات القرن الماضي. وبعد ثلاث سنوات، اشترى منزلًا في قلب المدينة القديمة، حيث أسس – بتمويل من الأمم المتحدة – «متحف الحسون»، الذي يضم أيضًا مطعمًا يقدم أطباقًا تقليدية. وقد بُني هذا المنزل الرائع المكون من طابقين في ثلاثينيات القرن الماضي على يد شخصية مسيحية بارزة، ويعكس طراز «البيت الشرقي». ويتوسطه فناء تحيط به مجموعة من الغرف والأعمدة الخشبية، فيما يقود درج إلى الطابق العلوي الذي يضاهي جمال الطابق الأرضي.
ويعد المتحف كنزًا من التحف الأثرية، المعروضة بعناية في خزائن لامعة أو مرتبة على الجدران والأرضيات. وكل قطعة تهمس بحكايات من الماضي، تمتد عبر قرنين على الأقل.
وتكشف وثائق من العهد العثماني، اصفرّت بفعل الزمن، فصلًا من تاريخ المدينة الغني، إذ تسجل معاملات بيع وشراء العقارات، وعقود الزواج، ووثائق التأمين والرهن. كما تقف فوانيس كانت تضيء الشوارع والمنازل إلى جانب مكواة تعمل بالفحم، وأجهزة تلفاز وراديو قديمة، وقطع أثاث أنيقة من زمن مضى. يقول الحسون: «أي أجنبي يزور البصرة يزور متحف الحسون، لأنه أصبح معلمًا بارزًا». ويضيف أنه استقبل حتى الآن زوارًا من 83 دولة.
ويتابع: «إنه أمر رائع بالنسبة لي. لقد أنجزت شيئًا وحققت حلمًا»، وهو يجلس في غرفة تضم مجموعة من الوثائق المؤطرة.
ويختم قائلًا: «أشعر بأنني حارس لتراث البصرة، وأنا فخور بحمايته».
عن «ذي ناشنال»









