الكتاب: كيف أصبح غانديتأليف: جوزيف ليليفيدترجمة: إبتسام عبد اللهقبـل بضعة أعوام زار الكاتب البريطاني باتريك فرينج منقطة سابارماتي أشرم، في ضواحي احمدي آباد في ولاية كوجارت- الهند، والتي بدأ فيها المهاتما غاندي المسيرة التي أطلق عليها "حملة الملح"، متوجهاً نحو البحر، في عام 1930، وفوجئ فريج بقذارة أجزاء من المدينة، علماً إن تعليمات غاندي كانت تركز على أهمية النظافة.
لقد بقيت بعض تلك التعليمات وجاءت غيرها على مرّ الأعوام، وعلى سبيل المثال فإن الأمريكيين، كما يقول المؤلف لا يعرفون عن غاندي، غير ما شاهدوه في فيلم سينمائي يتناول حياته، إن الفيلم الذي مثله بن كينغلي كان جيداً، ونال الممثل عنه جائزة الأوسكار، ولكنه لم يقدم الصورة الحقيقية للمهاتما:الرحالة والسياسي البارع، ونصير الفقراء والمجددّ والمصلح الاجتماعي. إن فلسفة غاندي هي غاية بحث المؤلف جوزيف ليليفيد ورؤيته الاجتماعية وكفاحه من اجل تطبيق أفكاره على المجتمع الهندي، وليلفيد كاتب أختص بحياة غاندي على جانبي المحيط الهندي، وقد غطى مرحلة حياة غاندي في جنوب إفريقيا لصحيفة نيويورك تايمز (وفاز عن ذلك بجائزة البوليترز عام 1986، عن التمييز العنصري)، وامضي أيضاً عدة أعوام في أواخر الستينات، مراسلاً للصحيفة في الهند.وسيرة حياة غاندي، في الكتاب الجديد لا تغطي كافة مراحل القائد الهندي الراحل، إذ إن القراء يعرفون بلا شك المراحل الأساسية في حياته، وقد تناولتها شعراء الكتب من قبل، وهي أيضاً ليست للمبتدئين، فهو يتناول مراحل أساسية في حياة غاندي في جنوب أفريقيا وفي الهند، منتقلاً من مكان إلى آخر.إن العقدين اللذين أمضاهما غاندي في جنوب أفريقيا كانا افتتاحية لحياته، ويتناولهما ليلفيد بجدية تستحقانها. لقد كتب غاندي مرة في منتصف حملته ضد سياسية البند،"لقد حاربت ذلك المبدأ في جنوب أفريقيا إنجاً بعد إنج".وقد استغرق أمر تحويل ذلك المعتقد الضمني واقع ملموس زمناً من حياة المهاتما غانيد، فعندما وصل موهانداس كارا مجاند غاندي الى دوربان من بومباي عام 1893، كان في سن الـ23 من عمره، محامياً في مرحلة التمرين، مستأجراً من قبل تاجر هندي مسلم لمتابعة قضاياه في المحاكم، وكان غاندي آنذاك مهتماً بدراسة الأديان وتناول القليل من الطعام، ولم تكن السياسة تقع ضمن تلك الاهتمامات، ولكن جنوب أفريقيا وأحوالها استفزته ودفعته إلى العمل.وفي بداية الأمر واجه غاندي قوانين التمييز العنصري وأوضاع عمال المزارع وسكة الحديد، الذين كانوا يشكلون آنذاك النسبة الأكبر من المهاجرين الهنود، والحملات التي قادها تحت شعار،"العنف"، تواصلت أعواماً، منادياً بالمساواة بين الملونين والسكان البيض.وكما يقول المؤلف فإن نتائج حملته تلك في جنوب أفريقيا، لم تكن واضحة أو دائمة- وقد تعرض للضرب، إثر اشتباه في سلوكه وانه يعقد صفقة مساومة مع السلطات الحكومية هناك، ولكن تلك الحملات علّمته كيفية قيادة الجماهير وتحريكها، جماهير الطبقة الوسطى من الهندوس والمهاجرين الفقراء جداً من المسلمين الهنود، وكما قال عن نفسه،"لقد وجد مهمة حياته"، مهمة بدأت أولاً في الدعوة إلى المساواة ما بين الهنود والبيض، ثم ما بين الهندي الفقير والغني.وهو بعد عودته إلى الهند عام 1915، أعلن ما أسماه بـ"الأعمدة الأربعة للحكم الذاتي"، وعقد تحالف ثابت وراسخ بين الهندوس والمسلمين، ونشر مبادئ اللاعنف عالمياً، ونشر الحرف اليدوية في القرى الهندية التي يبلغ عددها، 650,000 تقريباً، مع محاربة فكرة إطلاق تسميات مثل "المنبوذ"، أو "النجس"، على الطبقات الدنيا من الناس.وفي مسيرته، صادف مجموعات من الأعداء- البعض منهم ظنّه متعاطفاً مع المسلمين، والمسلمون اعتقدوا انه نداءاته وسياسته، هي جزء من خطّة هندية، وبريطانيون اعتقدوا أنه ثوري راديكالي، والى غير ذلك من الأمور.وكان غاندي يعلن في خلال مسيرته، أن الحرية التامة لن تحقق ما لم تلغ الفوارق بين طبقات المجتمع، وما لم يتم الاستقلال التام في الهند.وغاندي، ما يزال حتى اليوم يدعى بـ"أب الأمة"، في الهند، ولكن تعليماته عن الحرف اليدوية،(النسج) والعيش البسيط، قد تخلى عنها الهنود، والتوتر بين الهندوس والمسلمين ما يزال قائماً، وما تزال أيضاً الفوارق قائمة بين طبقات المجتمع.ويرى المؤلف أن المأساة الحقيقية في حياة غاندي لا تعود الى اغتياله في النهاية، وليس بسبب نبله الذي ولدّ كراهية في قلب قاتله، أن العنصر المأساوي يكمن في أنه مثل، الملك لير، أرغم في النهاية على رؤية أحلامه لا تتحقق كما تمنى وإنما لم تقدر على إعادة تشكيل العالم.ويقول المؤلف: إن غاندي كافح والشك يساوره، وخاصة في أيامه الأخيرة، باذلاً جهده في القضاء على التوتر بين طوائف الشعب الهندي المتعددة، وقد كتب قبل ثلاثة أسابيع من اغتياله من قبل احد أفراد طائفته:"علينا اليوم أن ننسى إننا هندوس أو سيخ أو مسلمون.. ولكننا جميعاً نعبد الله".كان غاندي قائداً ثورياً، طالب في بداية حياته في جنوب أفريقيا بالاتحاد ضد الظلم، وكان ثورياً عندما عاد إلى الهند إبان الحرب العالمية الأولى، وكان ثورياً في عام 1947، عندما أعلن استقلال الهند، وهو ما يزال ثورياً في العالم اجمع.عن/ ال
غاندي.. الروح النبيلة
نشر في: 28 مارس, 2011: 08:42 م