المدى/ محمد علي
يواجه آلاف النازحين في محافظة الأنبار ظروفًا إنسانية صعبة، مع تزايد الموجات المطرية وانخفاض درجات الحرارة خلال فصل الشتاء، في مشهد متكرر يكشف فشل السياسات الحكومية في معالجة ملف النزوح بشكل نهائي، رغم الوعود الانتخابية التي رفعتها القوى السياسية بإنهاء ملف النزوح وإعادة العائلات إلى مناطقها.
ويقول المختص بالشأن السياسي، مهند الراوي، خلال حديث لـ(المدى) إن "ملف النازحين هو ملف إنساني بحت، لكن للأسف جرى استغلاله سياسيًا وانتخابيًا منذ عام 2018، دون وجود إرادة حقيقية لإنهائه".
ويضيف أن "هناك تقصيرًا واضحًا من الجهات المعنية، وعلى رأسها وزارة الهجرة والمهجرين، في معالجة أوضاع النازحين وإعادتهم إلى مناطق سكناهم، رغم أن أعدادهم اليوم ليست كبيرة كما يُشاع".
ويؤكد الراوي أن "استمرار وجود نازحين داخل بلدهم يعد أمرًا معيبا بحق الدولة، خاصة في ظل معاناة الأطفال والنساء في ظروف مناخية قاسية، دون توفير سكن لائق أو حلول دائمة".
ويشير إلى أن "هذا الملف لم يعد جغرافيًا أو إداريًا، بل هو ملف إنساني وأخلاقي، وتأجيله ينعكس سلبًا على الاستقرار الاجتماعي، وقد يخلق أزمات نفسية واجتماعية طويلة الأمد".
ويتابع الراوي أنه "عندما نزح الأشقاء اللبنانيون، شاهدنا جميعًا كيف كانت الحكومة العراقية على أتم الاستعداد لتقديم الدعم، بينما لا يزال نازحو محافظات مثل صلاح الدين والأنبار حتى اليوم لم يعودوا إلى مناطقهم وهم يعيشون حياة صعبة مأساوية".
وختم حديثه بالقول إن "إنهاء هذا الملف يتطلب قرارًا حكوميًا جادًا وحاسمًا، بعيدًا عن الاستغلال السياسي، احترامًا لكرامة المواطنين وحقوقهم الأساسية".
ومن جهته، يقول الناشط المدني، بادي العبدالله، خلال حديث لـ(المدى) إن "الجهات المعنية لم تكن مستعدة لموسم الأمطار، لأن ملف النازحين أساسًا لا يُعامل كأولوية حقيقية لدى الحكومة"،
مشيرًا إلى أن "هؤلاء المواطنون يعيشون في مخيمات عشوائية منذ أكثر من عشر سنوات، وبعضها غير معترف به رسميًا، ما يجعلها عرضة للغرق شتاءً، والحر الشديد صيفًا، والعواصف طوال العام".
ويؤكد أن "تكرار غرق المخيمات أمر طبيعي في ظل غياب الحل الجذري، فلا توجد استجابة حكومية فعلية، ولا خطط طارئة، لأن الحكومة لا تتعامل مع هذه المواقع كمخيمات رسمية"، مبينًا أن "المشكلة ليست لدى الحكومات المحلية، بل هي ملف مركزي تتحمل مسؤوليته الحكومة المركزية ووزارة الهجرة والمهجرين بشكل مباشر".
ويشير العبدالله إلى أن "أعداد النازحين اليوم ليست كبيرة، ويمكن حسم هذا الملف بقرار حكومي واضح يعيد العوائل إلى مناطقها، مع تدقيق أمني مهني وعادل عبر لجان قضائية مختصة، بدل الحلول الترقيعية التي لا تنهي المعاناة، فإخراج المواطن من بيته وإبقاؤه نازحًا كل هذه السنوات يعد انتهاكًا لحقوقهم، خاصة أن العمليات العسكرية انتهت منذ وقت طويل".
ويختم حديثه بالقول إن "إنهاء هذا الملف لا يحتاج وعودًا جديدة، بل قرارًا شجاعًا يعيد الكرامة لهؤلاء المواطنين، لأن استمرار هذا الوضع يؤثر على الاستقرار الاجتماعي ويهدد بخلق أزمات نفسية واجتماعية طويلة الأمد".
إلى ذلك، يؤكد المواطن، سعد الشمري، أن "النازحين يعانون من الإهمال منذ سنين طويلة، وكل موسم أمطار تتكرر هذه المأساة، خيمنا تغرق، وأطفالنا يبردون، ولا يوجد أي استعداد أو حلول حقيقية من الجهات المعنية".
ويضيف أن "المشكلة ليست بالمطر، المشكلة إن المسؤولين لا يتعاملون مع النازحين كمواطنين لهم حقوق، ونحن كنازحين لا نطالب بأشياء مستحيلة، فقط أن نعود إلى بيوتنا ونعيش بأمان، خصوصًا إن الأوضاع الأمنية أصبحت مستقرة".
ويتابع الشمري أن "الحلول الترقيعية مثل توزيع بطانيات أو مواد غذائية لا تنهي المعاناة، نريد قرارًا حقيقيًا يعيدنا لمناطقنا، ويفتح هذا الملف بشكل عادل، لأن استمرار نزوحنا بهذه الطريقة ظلم كبير لنا ولأطفالنا".
بين الخيم الغارقة والوعود السياسية المتكررة يبقى نازحو الأنبار في معاناة مستمرة مع الإهمال، فيما تتحول معاناتهم كل شتاء إلى أزمة جديدة دون حلول جذرية تنتشلهم من واقعهم المأساوي.
يعود ملف نزوح أهالي محافظة الأنبار إلى عام 2014، على خلفية العمليات العسكرية التي شهدتها المحافظة ضد تنظيم داعش، والتي أدت إلى نزوح مئات الآلاف من العائلات إلى مخيمات داخل المحافظة وخارجها، في محافظات بغداد وكردستان وصلاح الدين.
ورغم إعلان الحكومة العراقية انتهاء العمليات العسكرية الكبرى عام 2017، وعودة آلاف العائلات إلى مناطقها، إلا أن أعدادًا من النازحين لا تزال تعيش في مخيمات أو تجمعات عشوائية، بسبب مشكلات أمنية وإدارية، أو دمار منازلهم، أو تعقيدات تتعلق بالتدقيق الأمني وغياب التعويضات.
وخلال السنوات الماضية، أعلنت الحكومات المتعاقبة ووزارة الهجرة والمهجرين عدة مرات قرب إغلاق ملف النزوح، وربطت ذلك بإطلاق حملات لإعادة النازحين وإغلاق عدد من المخيمات، إلا أن هذه الإجراءات وُصفت من قبل منظمات إنسانية وناشطين بأنها جزئية ولم تُعالج جذور المشكلة.
وتتعرض مخيمات النازحين، خصوصًا غير المعترف بها رسميًا، إلى أزمات متكررة في فصل الشتاء، أبرزها غرق الخيام نتيجة الأمطار، وانعدام البنى التحتية والخدمات الأساسية، في ظل ضعف الاستجابة الطارئة وغياب الحلول الدائمة.
ويؤكد مختصون أن استمرار النزوح بعد مرور أكثر من عشر سنوات على بدء الأزمة يشكل تحديًا إنسانيًا واجتماعيًا، ويؤثر على الاستقرار المجتمعي، خاصة مع وجود أجيال من الأطفال نشأوا داخل المخيمات، بعيدًا عن بيئة السكن والتعليم والخدمات الطبيعية.










