طالب عبد العزيز
كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية. لا وجود في العراق تنظيمات سياسية حقيقية، إنما تجمعات قبلية ودينية واثنية وطائفية تقع خارج كل فعل سياسي في العالم. أحزاب تتشكل من رغبات شخصية، وكتل تبنى على أسس ومصالح طائفية، وحشود مسلحة وجاهزة للانقضاض على الآخر المختلف، تعمل بمشيئات فردية، وتحت شعارات ترهيب واقصاء، فلا مشاريع بغرض الاستقرار والبناء والمستقبل الآمن، وهذه الملايين الأربعين التي انتخبت تنتظر اتفاقاً من مجاميع متفرقة؛ لم يحدث أن اتفقت خارج مصالحها الشخصية الضيقة.
يحدث أن تتشكل بعض المجموعات تحت مسمّى جامع؛ فتدخل الانتخابات، وتفوز لكنَّ الفوز هذا سيكون إيذانا بالفرقة، التي لن تكون بسبب أفكار وطموحات ومشاريع عامة، لصالح البلاد أبداً؛ إنما بسبب تقاسم الحصص التي ستكون من حصة هذا وذاك، وأثبتت التجارب بأنَّ أسوأ منتج أمريكي تم تصديره الى العراق هو (مجالس المحافظات) ولا نجانب الصواب إذا قلنا بأنَّ سنوات التحول العمراني والخدمي في البصرة كانت السنوات التي حُلَّ فيها مجلس المحافظة، وحصرت الصلاحيات بمكتب المحافظ، على الرغم من كل ما قيل ويقال عن عمله، لكننا وقفنا على نجاحات كبيرة. وبمتابعة بسيطة لمجموع أعضاء المجلس سنجد أنهم إنما قدموا من أحزاب وكتل ليس بينهم من يعمل على تقديم مصلحة المدينة، وسكانها على مصلحة حزبه، وكتلته ومصلحته الشخصية قبل كل شيء، وهكذا سنكون أمام 25 إرادة، أقل ما يقال عنها أنها شخصية، تبحث عن مستقبل شخصي، ولا تملك مشاريع وبرامج تخصُّ مستقبل المدينة.
يعلن أحد أعضاء مجلس البصرة عن تشكيل كتلة جديدة تضم 13 عضواً، بعد انسحاب ثلاثة أعضاء من كتلة تصميم التي يرأسها محافظ البصرة اسعد العيداني، ويتحدث العضو عن أنَّ الكتلة الجديدة ستعمل لصالح المدينة، وكما لو أنه درس السياسة والعمل الحزبي بأعرق المعاهد في العالم، أو أنه قادم من كوكب آخر، وخبر العمل في أعتى الديمقراطيات، فيما يردد البصريون المثل الشهير بقولهم:(هذا الكعك من ذاك العجين). كل ممارسة سياسية في العراق خاطئة، لكن المشكلة أنَّ الجميع يعرف الخطأ، ويصرُّ على تسويقه بوصفه الشر الذي لا بدَّ منه، إذ كل ُّ شخصية وكتلة سياسية ودينية تعمل على جمع ملفات ضد بعضها، وتهدد بها في الوقت المناسب، الذي لن يأتي أبداً، لأننا لم نجد من كشف وتوقف وحاسب وغيَّرَ، وهكذا نحن في دولاب لا يشبهه دولاب في العالم، فالكل يتهم والكل يصمت في التوقيت المناسب بدءاً من السيد المالكي الى السيد واثق البطاط.
الشرخ الذي أحدثه أعضاء كتلة (العدالة والوحدة) بانسحابهم من (تصميم) لن يكون الأخير، وربما كان الانشقاق متوقعاً عند الكثير من راصدي التحولات السياسية في العراق، ولا نعرف ما إذا كان العيداني قد خرج من ديوان السيد عبد الأعلى الموسوي بنتائج مرضية أم لا؟ ذلك لأنَّ أعضاء كتلة العدالة والوحدة الثلاثة، لم يكونوا ليقدموا على الانسحاب من تصميم قبل مشورة السيد الموسوي، زعيم الطائفة، وبذلك سيكون انضمامهم الى الكتلة الجديدة قد تم سلفاً، وقبل زيارة العيداني له. هل قرأ أعضاء الكتلة الجديدة مستقبل التحولات جيداً؟ وهل ستكون كتلة (صادقون) هي من ينصّب المحافظ الجديد، أم في الأفق ما يلوح غير ذلك؟ قد لا يكون المواطن البصري معنياً بمن يغادر ويأتي لكنه يتطلع الى من يكمل المسيرة الناجحة التي خطط واسس لها اسعد العيداني.









