TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > الأمن في سنجار: صراع القوى وتأثيره على استقرار المجتمع الأيزيدي

الأمن في سنجار: صراع القوى وتأثيره على استقرار المجتمع الأيزيدي

نشر في: 17 ديسمبر, 2025: 12:07 ص

 المدى/ سيزر جارو

رغم مرور أكثـر من ثمان سنوات على تحرير قضاء سنجار، ما يزال هذا القضاء يعيش حالة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، تعكس عمق الصراع بين القوى المتعددة المتواجدة فيه، وتلقي بظلالها الثقيلة على المجتمع الأيزيدي الذي لم يتعافَ بعد من آثار الإبادة الجماعية. فبين انتشار الفصائل المسلحة، وتعدد المرجعيات الأمنية، وتعثر الاتفاقات الحكومية، تبقى سنجار منطقة قلقة، يصعب فيها بناء حياة طبيعية أو استعادة الثقة المفقودة.

 

الأمن في سنجار لا يُقاس فقط بغياب المعارك أو العمليات المسلحة، بل بقدرة السكان على الشعور بالأمان في بيوتهم وحقولهم وطرقاتهم. إلا أن هذا الشعور ما يزال غائباً لدى كثير من الأيزيديين، سواء ممن عادوا إلى القضاء أو أولئك الذين بقوا في مخيمات النزوح. فالتداخل بين القوى المحلية والاتحادية، إلى جانب تأثيرات الصراع الإقليمي، جعل من سنجار عقدة مفتوحة، يصعب فكّها بإجراءات جزئية.
يقول خليل حسن، ناشط أيزيدي من سنجار، في حديث لـ”المدى”، إن “أزمة الأمن في سنجار هي في جوهرها أزمة قرار سياسي”. ويضيف: “منذ سنوات ونحن نسمع عن خطط لإعادة الاستقرار، لكن على الأرض لا نرى سوى تعدد في القوات وتضارب في الصلاحيات. المواطن الأيزيدي لا يعرف إلى من يلجأ إذا حدثت مشكلة، ولا من يحاسَب إذا وقع خرق أمني”. ويرى حسن أن هذا الواقع يخلق حالة من القلق المستمر، ويدفع كثيراً من العائلات إلى التريث في العودة.
وبرغم توقيع اتفاق سنجار بين بغداد وأربيل في تشرين الأول 2020، والذي كان من المفترض أن ينظم الملفين الأمني والإداري، إلا أن تطبيقه ما يزال جزئياً. فالاتفاق، الذي علّق عليه الأيزيديون آمالاً كبيرة، اصطدم بتعقيدات الواقع السياسي، وبتداخل المصالح المحلية والإقليمية. ونتيجة لذلك، بقيت بنود أساسية، تتعلق بتوحيد القوات وإخراج الجماعات المسلحة غير الرسمية، حبيسة الأدراج.
من جانبه، يقول مسؤول أمني في محافظة نينوى، فضل عدم ذكر أسمه في تصريح لـ”المدى”، إن “الوضع في سنجار معقد، ولا يمكن التعامل معه كأي منطقة أخرى”. ويضيف: “نحن نتعامل مع إرث ثقيل من الصراع، ومع حساسيات مجتمعية وسياسية كبيرة. هناك جهود مستمرة لإعادة تنظيم الملف الأمني، لكن أي خطوة غير مدروسة قد تؤدي إلى توتر جديد”. ويعترف المسؤول بأن هذا التعقيد ينعكس بشكل مباشر على ملف عودة النازحين، الذي ما يزال بطيئاً ومحدوداً.
وتُعد المخيمات شاهداً صارخاً على فشل الحلول المؤقتة. فحتى اليوم، يعيش عشرات الآلاف من الأيزيديين في مخيمات النزوح، خصوصاً في محافظة دهوك، في ظروف إنسانية صعبة. ومع تقليص الدعم الدولي وإغلاق بعض المخيمات، يجد النازحون أنفسهم أمام خيارات قاسية: إما العودة إلى مناطق غير مهيأة، أو البقاء في مخيمات تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.
تقول نادية خدر، نازحة أيزيدية من مجمع خانكي، لـ”المدى”: “نعيش هنا منذ سنوات، أطفالنا كبروا في المخيم، ولا يعرفون شيئاً عن سنجار إلا من حكاياتنا”. وتضيف: “نريد العودة، لكن العودة ليست مجرد قرار عاطفي. في سنجار لا توجد خدمات كافية، ولا فرص عمل، والأهم لا يوجد شعور حقيقي بالأمان”. وتشير نادية إلى أن كثيراً من العائلات تخشى تكرار المأساة، في ظل غياب ضمانات واضحة. ويرى مختصون في الشأن الاجتماعي أن استمرار هذا الوضع يهدد مستقبل المجتمع الأيزيدي على المدى البعيد. فالهجرة المستمرة، سواء إلى مدن أخرى أو إلى خارج البلاد، تؤدي إلى تفكك المجتمع، وتضعف ارتباط الأجيال الجديدة بأرضها. كما أن طول أمد النزوح يترك آثاراً نفسية واجتماعية عميقة، لا تقل خطورة عن الدمار المادي.
يقول الباحث الاجتماعي سردار علي، في حديث لـ”المدى”، إن “سنجار بحاجة إلى مقاربة شاملة، لا تقتصر على الجانب الأمني”. ويضيف: “الأمن مهم، لكنه لا يكفي وحده. يجب أن يترافق مع إعادة إعمار حقيقية، وفرص عمل، وخدمات تعليمية وصحية، إضافة إلى تحقيق العدالة لضحايا داعش”. ويؤكد أن “المخيمات تحولت من حل مؤقت إلى واقع شبه دائم، وهذا مؤشر خطير على فشل السياسات المتبعة”.
وفي ظل هذا المشهد المعقد، يبقى المجتمع الأيزيدي هو الخاسر الأكبر. فبين صراع القوى، وبطء الإعمار، وغياب رؤية واضحة للمستقبل، تتآكل الثقة يوماً بعد آخر. ومع كل تأخير جديد، يبتعد حلم العودة والاستقرار خطوة إضافية، بينما تستمر المخيمات في احتواء معاناة مفتوحة.
سنجار اليوم تقف عند مفترق طرق: إما أن تتحول إلى نموذج للتعافي بعد الإبادة، أو أن تبقى رهينة صراعات لا تعكس إرادة أهلها. وبين هذين الخيارين، ينتظر الأيزيديون ما هو أكثر من الوعود، ينتظرون قراراً يعيد إليهم الإحساس بالأمان، ويمنحهم حقهم في وطن لم يلتئم جرحه بعد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

محاولات جديدة لطرق باب الصدر.. وهاجس عبد المهدي يخيّم على

محاولات جديدة لطرق باب الصدر.. وهاجس عبد المهدي يخيّم على "الإطار"

بغداد/ تميم الحسن يعود اسم "مقتدى الصدر" إلى الواجهة مرة أخرى، لا بوصفه لاعباً مباشراً في المفاوضات، بل كعامل قلق يلاحق خصومه. فـ"الإطار التنسيقي" يجد نفسه، مجدداً، وهو يغازل زعيم التيار الصدري عند كل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram