بغداد / تبارك عبد المجيد
يعيش سكان قضاء كحلاء يوميات شاقة وسط ضعف الخدمات والبنية التحتية المتدهورة، حيث لا تصل المياه إلا لمن يشترونها، وتتحول الطرق مع كل مطر إلى برك طينية تعيق حركة الناس وتعرقل دوام الطلاب، كما يضطر الأطفال أحيانًا إلى ترك المدارس لمساعدة أهاليهم في تأمين متطلبات الحياة، فيما تهيمن الجنسيات الأجنبية والعمال من المحافظات الأخرى على الوظائف في شركات النفط المحيطة بالقضاء، ما يعكس التناقض الكبير بين ثروات المنطقة ومعاناة سكانها.
قال الناشط والمواطن أحمد الماجد إن سكان قضاء كحلاء يعيشون معاناة يومية شديدة نتيجة ضعف الخدمات الأساسية وانتشار الإهمال في البنى التحتية. وأضاف الماجد أن «المياه لم تعد تصل إلى أغلب المنازل في القرى، ويضطر الأهالي اليوم إلى شرائها، حتى لسقاية الحيوانات، ما يزيد الأعباء المالية على العائلات».
وأوضح الماجد لـ«المدى» أن الطرق في المنطقة مهترئة بشكل كبير، و«أي مطر يحول الشوارع إلى برك طينية تمنع التنقل، وتعرقل وصول الطلاب إلى المدارس، كما تزيد من صعوبة الوصول إلى المراكز الصحية أو الأسواق».
وأشار الماجد إلى أن المدارس تعاني من الاكتظاظ الشديد، حيث يصل عدد الطلاب في بعض الصفوف مع نقص واضح في التجهيزات والمقاعد، ما يجعل العملية التعليمية شبه متوقفة في أوقات الطقس السيئ. وأضاف أن المراكز الصحية محدودة وعددها قليل، وبعضها مغلق بسبب نقص الكوادر، مما يصعّب الحصول على العلاج، ونضطر للتنقل وتحمل تكاليف النقل إلى المستشفيات القريبة. وتابع الماجد بالقول «نحن في كحلاء نواجه صعوبة في كل شيء، من الحصول على المياه إلى التعليم والصحة والتنقل. نحتاج إلى تدخل عاجل لتأهيل البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية، لضمان حياة كريمة لنا ولأطفالنا»، ولم يخفِ الماجد انتقاده للدورة البرلمانية السابقة، قائلًا «الدورة الماضية للبرلمان لم تقدم أي شيء. لم تُنفذ مشاريع حقيقية، ولم تُحل مشاكلنا اليومية، وكأننا غير موجودين على خارطة المسؤولين. كل وعودهم تبخرت على الأرض، ونحن ما زلنا نعاني من المياه والصحة والتعليم والطرق، ومن الوقاحة أنهم عادوا وقدموا ذات الوعود في الانتخابات». ووفقًا لماجد فإن «نسبة الفقر في قضاء كحلاء تصل إلى نحو 80٪، بحسب تصريحات حكومية، ما يجعل الحياة اليومية صعبة للغاية بالنسبة للسكان». وأضاف أن «الكثير من الأطفال يضطرون إلى ترك مدارسهم لمساعدة أهاليهم في تحمل تكاليف المعيشة، في ظل غياب الدعم الكافي للخدمات الأساسية».
وبيّن الماجد أن القضاء يضم ناحيتي بني هاشم والمشرح، وتقدر مساحته بـ2217 كيلومترًا مربعًا، موضحًا أن أغلب السكان يعملون بأجر يومي، رغم أن المدينة محاطة بشركات نفطية وتطفو على بحر من الذهب الأسود. وأكد أن غالبية الوظائف لا يشغلها أهالي المنطقة، بل يتم توظيف جنسيات أجنبية أو عمال من محافظات أخرى.
وأشار إلى أن هذا الواقع يعكس التناقض الكبير بين الثروات الطبيعية التي تحيط بالقضاء والمعاناة اليومية التي يعيشها أهالي كحلاء، مؤكدًا الحاجة الملحّة إلى تدخلات عاجلة لإعادة تأهيل البنى التحتية وتوفير فرص العمل والخدمات الأساسية لسكان المنطقة.
وقال علي شبوط جحيل، قائمقام قضاء كحلاء، إن القضاء شهد تنفيذ عدد من مشاريع الجهد الخدمي والهندسي خلال الفترة الماضية. وأوضح أن مشروع تبليط حي الرحمة مع شبكة المجاري والماء قد أُنجز واستُلم بالكامل، كما تم رفع عدد من المشاريع ضمن خطط الجهد الخدمي لعام 2025، شملت خدمات المجاري والتبليط وشبكات ومجمعات المياه. لكن القائمقام أشار إلى أن هناك تحديات كبيرة في إيصال الخدمات إلى خارج مركز المدينة، خصوصًا فيما يتعلق بالمياه الصالحة للشرب. وأوضح أن الجفاف المستمر وانقطاع الأنهار والأهوار أدى إلى توقف معظم مجمعات المياه عن العمل في القرى النائية، ما اضطر السكان إلى الاعتماد على الحوضيات، إلا أن قلة عدد الآليات وكثرة القرى والمنازل تجعل إيصال المياه للجميع أمرًا صعبًا.
وأضاف جحيل أن هناك عددًا من المشاريع الوزارية المتلكئة، منها مشروع محطة 132 كيفي، الذي أُنجز الجزء الأول منه لكنه لم يبدأ العمل حتى الآن، إضافة إلى الملعب الذي توقف العمل فيه منذ عام 2013، وكذلك مشاريع مصرف الرافدين ومدرسة الشهيد الابتدائية، التي ما زالت متوقفة عن الإنجاز. كما أشار إلى وجود تحديات في القطاع الصحي، حيث أُغلقت بعض البيوت الصحية نتيجة نقص الملاكات، ومنها البيت الصحي في قريتي بحاته والشويلات، ولم تُعاد إلى العمل حتى بعد المطالبة الرسمية، مع تبرير الجهات المعنية بعدم توفر الكوادر الصحية اللازمة. وأكد علي شبوط جحيل أن هذه المعوقات تؤثر بشكل مباشر على حياة المواطنين، مشددًا على الحاجة الماسة لاستكمال المشاريع المتوقفة وتوفير الخدمات الأساسية لضمان حياة كريمة لسكان قضاء كحلاء.
وقال حيدر عدنان الساعدي، رئيس منظمة أبناء الأهوار الإنسانية، إن محافظة ميسان تعيش منذ عقود تدهورًا واضحًا في مستوى الخدمات الأساسية، مشيرًا إلى أن النقص الحاد يظهر بشكل خاص في ثلاثة قطاعات رئيسية هي الصحة والتعليم والخدمات العامة، بالرغم من تخصيص ميزانيات كبيرة يُفترض أن تسد هذا النقص.
وأضاف الساعدي في حديث لـ«المدى» أن أغلب مناطق المحافظة تفتقر إلى المستشفيات العامة، وتكتفي الحكومة بالمستوصفات الصغيرة التي لا تلبي حاجات المواطنين. وأوضح أن بعض المستشفيات، وخصوصًا في الأقضية والنواحي، تعاني من نقص الأطباء المختصين وضعف التجهيزات وغياب الأجهزة الحديثة، إضافة إلى شح الأدوية، خصوصًا في أقسام الطوارئ، مما يجعل المواطنين أكثر عرضة للمخاطر الصحية. وأشار الساعدي إلى ناحية المشرح كنموذج واضح على نقص الخدمات الطبية الحيوية. وفي قطاع التعليم، أكد الساعدي أن الواقع التعليمي يشهد تراجعًا ملحوظًا بسبب ازدحام الصفوف الدراسية ونقص الأبنية المدرسية وقلة الوسائل التعليمية، مشيرًا إلى أن عدد الطلاب في الصف الواحد يصل إلى خمسين أو ستين طالبًا، ما يشكل عبئًا كبيرًا على المعلمين ويؤثر سلبًا على جودة التعليم. أما فيما يخص الخدمات العامة، فأوضح الساعدي أن المواطنين يشتكون من تهالك الطرق وضعف شبكات الصرف الصحي والانقطاعات المستمرة للكهرباء والماء، فضلًا عن ضعف خدمات النظافة وقلة الأماكن الترفيهية. وأضاف أن الواقع البيئي للمحافظة يشهد تحديات كبيرة نتيجة التصحر وانتشار الكثبان الرملية والجفاف الحاد وتأثير المعامل والشركات النفطية على الصحة والمعيشة. وتابع الساعدي بالقول إن هذه المشاكل المتراكمة أثقلت حياة المواطن الميساني، مؤكدًا أن المحافظة بحاجة ماسة إلى خطط إصلاحية حقيقية لتحسين مستوى الخدمات العامة وتعزيز جودة الحياة، بعيدًا عن الإهمال الطويل والوعود المتكررة دون تنفيذ.









