د. مهند البراكرغم أنواع التطويق وإجراءات التخويف و منع سير الحافلات، و منع التجوال في أماكن وسد الطرقات في أماكن أخرى، ورغم أنواع القوات الخاصة بأصنافها، بخوذها الفولاذية و دروعها الآلية و الفردية . . و رغم تهديدات رئيس الوزراء في كلمته التي ألقاها عشية انطلاق " يوم الغضب العراقي " رغم فتاوى و تحذيرات أطلقها رجال دين . . بهدف إلغاء أو تأجيل الفعالية الجماهيرية التي تم الإعلان عنها و عن مكانها بوقت مبكر . . في ساحة التحرير في بغداد ـ وفي المحافظات ـ .
انطلق الشباب العراقي كطليعة و معه ابناء شعبنا بفئاته وأطيافه رجالاً و نساءً . . شيعة و سنّة، عرباً وكرداً وأقليات، مسلمين و مسيحيين و صابئة و من كل من يكتوي بنيران البطالة و الجوع ومآسي الخدمات و الفساد الإداري، و من يكتوي بنتائج سياسة المحاصصة الجامدة . . في بلادنا الفائقة الثراء التي تتنازع على الاستثمار فيها كبريات الاحتكارات الدولية . و فيما كشف ذلك عن الفهم القاصر لمسؤولين كبار، لمفهوم الديمقراطية الذي يقوم أساساً على حق الشعب و الأفراد بالتعبير عن الرأي بكل حرية و هو حق مكفول دستورياً . . وفهمهم لها ـ في أحسن الأوصاف ـ بكونها تبدأ و تنتهي بانتخاب الزعماء ـ و بعدها الله كريم وما ننطيهاـ.خرجت الجماهير العزلاء رغم الحصار و التخويف، مطالبة بالخبز و حرية الرأي و بشلّ الفساد و تقديم كبار الفاسدين و اللصوص إلى القضاء، عاكسة انضباطاً سياسياً واعياً و يقظة عالية، عاملة على شلّ و إخراج المجاميع التي حاولت الاندساس إليها لحرفها عن مطالبها، و المجاميع التي حاولت التستر بها لتخريب أبنية و مرافق الدولة . في إثبات جديد على ان الجماهير المطالبة بالإصلاح . . قادرة على تشخيص الجهات التي تسعى لوأد مطالبها المشروعة بدعوى كونها " سياسة " ! من جهة، و قادرة على تشخيص الجهات الساعية لتجيير احتجاجاتها اليها في نشاطها الذي يهدف إلى استحواذها بمفردها على السلطة السياسية من جهة أخرى . . و يرى سياسيون أن احتجاجات " يوم الغضب العراقي " جاءت امتداداً لتظاهرات سابقة في سنوات ماضية، حظيت فيها بحماية أجهزة الدولة و كانت مقبولة منها . . فما الذي يجرى الآن ؟ هل لأنها كانت بأعداد قليلة في السابق ؟ هل لأنها كانت قد ضمّت شيوخا و كهولاً و قليلا من الشباب أم لأنّ الأمور الآن ازدادت سوءاً وانفضح الكثير الكثير الذي لم يعد يمكن إخفاؤه، و صار يمسّ قطّاعات أوسع وأوسع ممن صمتت طويلاً ولم يعد صمتها ممكناً، و قطاعات صارت تشعر بالذنب لأنها انتخبت وصوّتت، لحكومة هذا هو أداؤها، وفق المحاصصة المقيتة . أداؤها الذي يؤدي بها إلى مواجهة المحتجين بالعنف و القسر الحكوميين، و محاصرة المتظاهرين واعتقال الصحفيين ومنع تغطية التظاهرات إعلاميا وإطلاق النار على المتظاهرين و التسبب بقتل وجرح المئات منهم . و القيام بحملة اعتقالات في بغداد وبعض المحافظات شملت عشرات الأشخاص ممن شاركوا بالتظاهرات بعد أن قامت وحدات استخبارية برصدهم . من جانب آخر، و فيما دعا مسؤولون وسائل الإعلام إلى توعية الناس بخطورة التظاهر، مبدين استعداد الأجهزة الأمنية لحماية المتظاهرين. إلاّ أن شيئاً من ذلك لم يحصل، حيث خرجت التظاهرات ولم يحدث شيء مما نبّهوا منه، و لكن الذي حصل هو أن العشرات من المتظاهرين سقطوا بين قتيل وجريح برصاص الحكومة ذاتها، حيث قتل وجرح 235 شخصا ـ وفق إحصاءات طبية وأمنية رسمية ـ بسبب تظاهرات الجمعة التي واجهتها الحكومة و ليس غيرها . حيث أطلق الرصاص وخراطيم المياه وقنابل الغاز ثم أخليت الساحات باستخدام القوة مساء الجمعة . . من قبل أفراد حكوميين . إن الجماهير المغيّبة أن صارت تدرك بتجربتها المريرة و بمعاناتها المستمرة و رغم التركة الثقيلة للدكتاتورية الكريهة، و ما عمله إرهاب القاعدة و الميليشيات الطائفية، ان صارت تدرك من يحرّك الفتن الدينية و الطائفية و كيف يتم توقيتها . . فإنها تدرك من هو المسؤول بالنتيجة النهائية عمّا يجري، بحكومة لم يستكمل تشكيلها لحد الآن، رغم مرور ما يقارب عاماً كاملاً على إعلان نتائج انتخابات آذار من العام الماضي، يجمع رئيسها جميع السلطات العسكرية والأمنية في البلاد، فإضافة لرئاسته للوزراء، فهو القائد العام للقوات المسلحة و وزير الدفاع و الداخلية و الأمن الوطني، رئيس الاستخبارات العسكرية وكالة، رئيس أجهزة أمنية أخرى ويرأس حزب الدعوة الحاكم عملياً اليوم، إضافة لارتباط الهيئات المستقلة برهن قيادته ـ النزاهة، الانتخابات، الاتصالات و الإعلام و غيرها ـ . وإذا ما استهدفت الاحتجاجات السلمية اليوم المحافظين ـ الذين استقال عدد منهم أثرها ـ واستهدفت مجالس المحافظات، و حرّكت البرلمان ـ المشغول بمخصصاته ـ لإعادة النظر بتلك المجالس وقانون انتخاباتها، و بآليات أعمالها التي يصرّ كثيرون على كونها نتيجة للفساد و للسرقات الكبيرة، أفشلت واجبات ملفات الخدمات . . فإنها وفي الأجواء المنعشة للإرادة الشعبية في التغيير التي تعم المنطقة . . و تسببت لحد الآن برحيل بن علي و مبارك عن السلطة، و تستمر في إيران و البحرين و اليمن و الأردن، وفي حالة استمرار الأوضاع بسيرها المؤلم هذا في البلاد . . فأنها قد تستهدف الحكومة لاحقاً و
تلاحم شبابنا الكفاحي رغم الطائفية و الفتن!
نشر في: 29 مارس, 2011: 05:16 م