بغداد/ المدى
في مشهد سياسي غير مألوف، بدأت ملامح تحوّل لافت تطفو على سطح الخطاب العلني للفصائل المسلحة العراقية، بعد سنوات طويلة من التمسك بسلاح خارج إطار الدولة ورفض أي نقاش يمسّ هذا الملف الحساس.
فخلال الساعات الـ24 الماضية، توالت تصريحات صادرة عن قيادات بارزة في الفصائل وضمن تحالف "الإطار التنسيقي" تتحدث بوضوح غير مسبوق عن ضرورة حصر السلاح بيد الدولة، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً وفتحت الباب أمام تساؤلات عميقة حول دوافع هذا التحول، وحدوده، وما إذا كان يعكس قناعة حقيقية ببناء الدولة، أم أنه مجرد إعادة تموضع سياسي فرضتها ضغوط أميركية ودولية واستحقاقات تشكيل الحكومة العراقية المقبلة.
أبرز هذه المواقف وأولها جاء على لسان زعيم فصيل "الإمام علي" شبل الزيدي، الذي أكد تعزيز العمل المؤسسي واحترام السلطات الدستورية والتشريعية والعمل ضمن الأطر القانونية والأعراف الوطنية، وشدد على أن وحدة الدولة وسيادتها تقتضيان "حصر السلاح بيد المؤسسات الرسمية"، في بيان عُدَّ تحولاً نوعياً مقارنة بالمواقف التقليدية للفصائل.
وعلى ما يبدو، لم يكن موقف الزيدي معزولاً، إذ تبعته تصريحات ومواقف مماثلة. فقد أكد زعيم تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم، ضمن "الإطار التنسيقي" أن السلاح ينبغي أن يكون بيد الدولة، داعياً إلى الإسراع بتشكيل الحكومة العراقية.
وقال الحكيم، في كلمة له: "نحن أمام فرصة مهمة نؤكد فيها لأنفسنا وللعالم أن العراق قادر على أن يبني دولة عزيزة، دولة عادلة، وقوية، دولة خادمة، لا دولة صراعات داخلية، ولا دولة ارتهان خارجي، ولا دولة فوضى، ولا دولة محاصصة ومغانم، وأن الدولة ليست شعاراً، وسلاح بيدها وحدها، ولذلك نقولها بوضوح إن السلاح ينبغي أن يكون بيد الدولة، اتساقاً مع سياقات الدستور ومع دعوات المرجعية الدينية العليا، ليكون القانون فوق الجميع، القانون الذي ينبغي أن يطبق بإرادة العراقيين وقواهم السياسية الوطنية، وليس بإملاءات خارجية".
وشدد قائلاً: "لا نقبل بالسلاح خارج سلطة الدولة، ولا نقبل باستعمال هذا الأمر أداة للضغط علينا وعلى إخواننا، نحن من يتخذ القرار، وقرارنا يجب أن يكون عراقياً خالصاً يقدم مصلحة البلد على كل مصلحة".
كذلك أعلن زعيم جماعة "عصائب أهل الحق" قيس الخزعلي، دعمه لحصر السـلاح بيد الدولة وتنفيذ مطلب الحكومة، وذلك خلال كلمته في احتفالية لحركته السياسية "الصادقون" أمس الجمعة.
وانضم فصيل "أنصار الله الأوفياء" بزعامة حيدر الغراوي، الى هذا المسار، معلناً دعمه الصريح لحصر السلاح بيد الدولة، وقال في تدوينة له على "إكس"، إن "التمثيل السياسي الواسع بوصفه تفويضاً شرعياً لإدارة الدولة، بما يضمن مصالح المواطن والوطن، يضع على عاتقنا جميعاً مسؤولية وطنية مباشرة تفرض الانتقال إلى منطق الدولة".
وأضاف الغراوي: "انطلاقاً من ذلك، فإن التأكيد لمبدأ السيادة الكاملة للدولة وحصر السلاح بيدها ممثلة بالقائد العام للقوات المسلحة ووزارتي الدفاع والداخلية وهيئة الحشد الشعبي، والأجهزة الأمنية كافة، بما يضمن وحدة القرار الأمني وهيبة الدولة، يأتي في صدارة أولوياتنا الوطنية".
هذه التصريحات أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية والشعبية، بعدما كانت تلك الجهات حتى وقت قريب تعارض بشدة أي حديث عن حصر السلاح بيد الدولة، وترفض مساس الحكومة به، معتبرة أنه سلاح مقدس.
يشار إلى أن الولايات المتحدة الأميركية كثفت في الأسابيع الأخيرة رسائلها السياسية والدبلوماسية الموجهة إلى بغداد، عبر المبعوث الخاص للرئيس الأميركي، إلى القائم بأعمال السفارة الأميركية ببغداد، من خلال سلسلة تصريحات ومقابلات رفيعة المستوى مع قيادات عراقية، وخصوصاً داخل تحالف "الإطار التنسيقي" الذي يُجري مفاوضات شديدة الحساسية تتعلق بتشكيل الحكومة المقبلة، ترجمت على أنها رغبة واضحة في التأثير بمسار تشكيل السلطة العراقية قبل استقرار التوازنات النهائية داخل البرلمان، وأن التوقيت الحساس لهذه التحركات يكشف قلقاً أميركياً من احتمال تشكل حكومة ذات نفوذ واضح لقوى السلاح.










