متابعة / المدى
تتصاعد المخاوف في محافظتي كركوك وصلاح الدين، والمناطق الحدودية العراقية- الإيرانية، من ظهور ألغام وذخائر غير منفجرة كانت مدفونة منذ سنوات، سواء إبان الحرب العراقية- الإيرانية السابقة، أو التي زرعها تنظيم «داعش»؛ وذلك بعد هطول أمطار غزيرة وسيول جارفة أدت إلى تعرية التربة وكشف مواقع كانت تُصنف آمنة في وقت سابق.
وقال مصدر في مديرية الدفاع المدني لوكالات الانباء، إن «السيول الأخيرة أظهرت مواد متفجرة كانت مخفية»، مؤكداً أن «الجهات الأمنية كثفت إجراءاتها لتطويق المناطق الخطرة وتأمينها، ومنع وقوع حوادث بشرية، لا سيما عند الحدود العراقية- الإيرانية في محافظة واسط، وتحديداً في منطقتي بدرة وجصان».
من جانبه، عبر محمد خالد، وهو أحد سكان جنوب كركوك، عن مخاوفه من عودة تهديد الألغام قائلاً: «الأرض تغيرت بعد السيول، ولم نعد نعرف أين تقع المناطق الخطرة، إذ بات الأهالي يتجنبون المرور خشية وقوع انفجارات مفاجئة».
وفي السياق ذاته، يقول عباس علي، وهو مزارع من أطراف قضاء آمرلي في صلاح الدين، «الخطر لا يقتصر على القرى التي شهدت وجود تنظيم داعش سابقاً، بل يشمل مناطق كانت تمثل خطوط تماس أو مواقع عسكرية قديمة؛ فالسيول غيرت ملامح الأرض ورفعت احتمالية ظهور مواد متفجرة».
وعلى صعيد المناطق الحدودية، أشار جميل البدري، أحد وجهاء منطقتي بدرة وجصان في واسط، إلى أن القلق يتضاعف في تلك المناطق، مبيناً أن «هذه الأراضي شهدت معارك وحشوداً عسكرية قديمة خلال الحرب العراقية- الإيرانية، ما خلّف آلاف الألغام والذخائر غير المنفجرة. وقد لاحظ بعض الأهالي انجراف التربة قرب مسارات الرعاة والمزارعين، وهو ما يزيد من خطر ظهور تلك الألغام».
من جهته، حذر الخبير والضابط السابق في الدفاع المدني أحمد الجبوري، من أن الأمطار والسيول تعيد إحياء تهديد الألغام والمواد المتفجرة، موضحاً أن «تلك المواد غالباً ما تبقى مستقرة طالما ظلت مدفونة، لكن تحرك التربة والمياه يجعلها مكشوفة وغير مستقرة، مما يزيد من احتمالية انفجارها عند أقل احتكاك». وبين الجبوري أن «بعض المناطق التي صُنفت مطهرة جزئياً قد تعود لتشكل خطراً حقيقياً جراء التغيرات المناخية».
وأضاف الجبوري: «يتعين إعادة تقييم هذه المناطق وإجراء مسح ميداني جديد، خصوصاً في كركوك وصلاح الدين والمناطق الحدودية في واسط، مع ضرورة تكثيف حملات التوعية بين المواطنين بعدم الاقتراب من أي جسم غريب أو العبث به».
وتواجه فرق إزالة الألغام تحديات كبيرة تشمل غياب خرائط دقيقة للأراضي الملوثة، وصعوبة الوصول إلى المناطق النائية والتضاريس الوعرة، فضلاً عن قلة الموارد وضعف التنسيق بين الجهات المحلية والاتحادية، وفقاً لما ذكرته مصادر أمنية.
وفي هذا الصدد، أكد مصدر في الدفاع المدني بمحافظة واسط أن الجهات المختصة كثفت إجراءاتها الميدانية بعد السيول الأخيرة، بالتنسيق مع فرق إزالة الألغام والمنظمات الدولية؛ لضمان سلامة المدنيين وتأمين الطرق والمزارع. وأشار المصدر إلى أن المخاطر غير محصورة بالصراعات الأخيرة فقط، بل إن بعض الألغام تعود إلى حقبة الحرب العراقية- الإيرانية في منطقتي بدرة وجصان، والتي لا تزال تشكل تهديداً حقيقياً للأهالي والرعاة، لا سيما مع انجراف التربة وتغير التضاريس بفعل الأمطار والسيول.
ويتفق الأهالي والخبراء على ضرورة تعزيز العمل الرسمي والدولي لإزالة الألغام، وتسريع عمليات مسح الأراضي وتطهيرها، ونشر إشارات تحذيرية واضحة، مع إشراك المجتمع المحلي في الإبلاغ عن أي أجسام مشبوهة. وأكدوا أن هذه الإجراءات تعد ضرورية لتقليل الخسائر البشرية وتأمين عودة آمنة للاستخدامات الزراعية والسكنية بعد موجات النزوح أو السيول.
ويشير خبراء إلى أن استمرار تهديد الألغام والمواد المتفجرة يعيق عمليات التنمية والإعمار والاستقرار في المحافظات المتضررة، خصوصاً في ظل التغيرات المناخية الدورية، كالسيول والأمطار الغزيرة، التي قد تكشف عن مواقع لم تكن مرئية في السابق. ويبقى إرث الألغام والمواد المتفجرة في العراق موروثاً قاتماً للصراعات السابقة، يتطلب استمرار التعاون بين الجهات الأمنية، والخبراء المحليين والدوليين، والمجتمع المدني؛ لضمان حماية المدنيين وتعزيز الأمن في المناطق الأكثر خطورة. ومع استمرار هطول الأمطار، يظل الوعي والتحذير المجتمعي من الأجسام المشبوهة هو خط الدفاع الأول لحماية الأرواح في كركوك وصلاح الدين ومنطقتي بدرة وجصان في واسط.









