ثائر صالح
الحلقة الثانية: باريس
لم يحب موتسارت باريس، ولم يحب الموسيقى الفرنسية وأحس بأن هناك من يحيك الدسائس ضده، خوفاً من نجاحه في باريس. عُرضت عليه وظيفة عازف أورغن في فرساي، لكنه رفضها لضعف الراتب الموعود. مع ذلك وجد موتسارت في المدينة التي بدأت تتغير نحو عصر جديد فرقة يتعامل معها: كونسير سبيريتويل. تقاطع مشروع هذه الفرقة مع المألوف في الموسيقى وقتها، فهي تقدم الموسيقى لمن يقتني التذاكر، لا لكنيسة ما أو أرستقراطي. كان جوزف لو غرو مدير الموسيقى ومؤسس الفرقة متفتحاً على التعامل معه، فكلفه بكتابة سيمفونية للفرقة التي كان يحلم بالكتابة لمثلها: 21 كمان 8 تشيلو 4 فيولا و 4 كونتراباص وقسم هوائيات كامل. كانت سيمفونية رقم 31 (KV297) أول نجاح كبير له في باريس. لكن تلك النشوة قطعتها بعد أيام وفاة أمه التي مرضت في الطريق إلى باريس. في تلك الأيام العصيبة ألف موتسارت واحداً من أرقّ وأعظم أعماله للبيانو: سوناتا رقم 9 في لا الصغير (KV310).
ساءت العلاقة بين ڤولفغانغ وليوپولد الذي قرّع ابنه على إهماله أمه، فكثيراً ما نزلا في سكن رخيص وسيء التدفئة. ثم أخذ بعد وفاتها يبتز ابنه عاطفياً، فقد ألقى اللوم عليه لوفاة أمه بهدف تعزيز سيطرته عليه، واستمر في العزف على هذه النغمة في السنين اللاحقة كلما استدعى الأمر: تركت أمك تموت في باريس. طلب ليوبولد منه العودة فوراً إلى زالتسبورغ، والتقدم على وظيفة عازف أورغن البلاط. لكن موتسارت لم يستعجل العودة، مر في طريق عودته على مانهايم. تغيرت المدينة جذرياً منذ زيارته الأخيرة لها، فقد انتخب أميرها ملكاً على باڤاريا، فترك مانهايم وانتقل إلى العاصمة ميونيخ، كذلك انتقلت ألويزيا وعائلتها إلى ميونخ. وبالتزامن مع هذا التغيير جرى حلّ فرقة مانهايم الموسيقية الشهيرة. ذهب موتسارت إلى ميونخ هو الآخر، لكنه لم يحصل على مبتغاه في وظيفة جيدة ولم يحصل على تكليف بكتابة أوبرا في ميونيخ، فوق ذلك لم تشأ ألويزيا التي صعد نجمها في أوبرا ميونيخ الارتباط به. مع ذلك بقي الاثنان على علاقة طيبة، إذ قامت ألويزيا بأداء عدد من الأدوار في الأوبرات التي ألفها موتسارت لاحقا.
اضطر موتسارت في كانون الثاني 1778 العودة إلى خدمة فون كولوريدو وقبول وظيفة عازف أورغن البلاط رغم المشاكل مع الأسقف الذي لم يحسن التعامل مع هذا العبقري المتمرد.
مرّ الوقت بطيئاً، وكان الأب يلجم من جماح الابن ويمنعه من القيام بحماقات في بلاط الأسقف. فجأة، تلقى موتسارت في خريف 1780 طلباً من أمير مانهايم لتأليف أوبرا. بهذا كتب موتسارت أول عمل أوبرالي كبير له هو إدومنيو (KV366) الذي عرض في ميونيخ للمرة الأولى في 1781. نجد في هذه التحفة الفنية أصداء الحياة التي عاشها موتسارت نفسه وعلاقته بأبيه، فهي تتحدث عن الصراع بين ملك وابنه الذي يتوج في ختام الأوبرا ملكاً بعد اضطرار أبيه إلى التنحي عن الحكم.
موسيقى الاحد: موتسارت الاعجوبة

نشر في: 21 ديسمبر, 2025: 12:01 ص








