علي حسين
اعترف بأنني كنت مترداً بتقديم الكاتب والروائي زهير الجزائري في الندوة التي خصصها له معرض العراق الدولي للكتاب ، وجدت صعوبة في تقديم كاتب تشعبت اهتماماته وهمومه ، تَّنقل من الصحافة إلى الرواية ومنها الى الكتابة السياسية ، ثم ينطلق إلى السرة الذاتية ، وعينه دائماً على علم الاجتماع والأدب الفلسفة ، إلا ان شخصية زهير الجزائري هي التي شجعتني ، فنحن امام كاتب مرهف ، لا يعرف المناورة ، ممتلئ بالهم الانساني ، عاشق للعراق الذي لم يفارق وجدانه لحظة واحدة برغم دروب المنفى المتفرقة ، مسكوناً بالحياة والعدالة الاجتماعية ، ما أن تجلس اليه حتى يتحدث عن الواقع العراقي بحماسة لن تنساها ، كما لوكان يتحدث عن حبيب له اوبشارة يزفها للناس ،وكنت اتطلع الى ملامحه الهادئة وهو يروي حكاية العراق الجديد الذي يحلم به ، كما لوكانت كلماته تكشف لي عن ابعاد جديدة لهذه الكتابات التي ظلت تدافع عن الانسان ضد سلطة الارهاب والقمع ، وبقدر ما كانت هذه الكلمات تجسد لي صورة المثقف الذي نحتاج اليه ، كان صوته يحمل الكثير من ملامح المثقف الملتزم والتي جسدها في معظم كتبه وفي مقالاته التي ينشرها بين الحين والاخر ، المثقف الذي امن بان العقل خير وسيلة لانقاذ الإنسان من الظلم ، وان هزيمة الشعوب لا تاتي إلا من جور حكامها وتخاذل مثقفيها الذين تلهيهم ورطات الدنيا فلا تمسهم معاناة الناس ، ظلت الكتابة ولا تزال هاجس زهير الجزائري الذي يحمله اينما حل ، فهي رؤياه التي اتاحت له سفر دائم نحو الحرية ، واتاحت لقراءه معرفة خفايا هذا العالم الذي يحاول البعض ان يغلق ابوابه في وجوههم كي لا يخرجوا الى ساحة الممارسة الحرة .
في اسلوب دافئ ورقيق يقدم لنا زهير الجزائري في كتابه " موجات مرتدة " سيره طازجه ولها عبق من التاريخ مازجا فيها بين الذكريات والاعترافات ،مقدماً للقاريء تصويراً فريداً لنسيج العلاقات الفكرية والاجتماعية داخل مجتمع النجف أو في شوارع بغداد الستينات أو في رحلة المنفى متنقلاً بين البلدان ، أو في ارتداد هذه الموجات بعد عام 2003 ، باعتباره تاريخا امتلأ بهموم الحداثةسياسة وشعراً ورواية ومسرحاً ونقداً.
زهير الجزائري كاتب عقلاني ، يضع كل شيء موضع المساءلة ، باحثا عن كل ما يشبع ميوله العقلانية والتحررية ، وهو طراز من المثقفين الذين وهبوا حياتهم للكلمة ، مؤمنا ان لا شيء في الحياة أعلى قيمة من الكلمة الحرة . والمؤكد ان إيمانه بالكلمة والذهن المتحرر الذي تنطوي عليه كتاباته كانت ولا تزال هي الاصل وراء سماحته العقليه ، وهي التي اعطتنا كاتب لا يتردد في تسليط الضوء على كل بقع الظلام .









