بغداد/ المدى
أطلق البنك المركزي العراقي منذ عام 2015 مبادرات لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وذلك في إطار سعيه لتنشيط النشاط الاقتصادي ودعم القطاع الخاص، استناداً إلى نموذج تمويلي يعتمد على ضخ القروض عبر المصارف العراقية بشروط ميسّرة للغاية؛ بهدف تشجيع إقامة وتوسيع المشاريع الاقتصادية المختلفة في البلاد.
ويقول الخبير الاقتصادي منار العبيدي، إنه منذ إطلاق أولى هذه المبادرات، شهد حجم التمويل الممنوح نمواً كبيراً، إذ ارتفع من نحو 7.5 مليار دينار عراقي في عام 2015 ليصل إلى أكثر من 13.5 تريليون دينار عراقي حتى عام 2025. ووفقاً للبيانات المعلنة من البنك المركزي العراقي وهيئة الإحصاء، باتت هذه المبادرات تمثل ما يقارب 7% من إجمالي موجودات البنك المركزي بنهاية عام 2024، إضافة إلى ما نسبته 6.4% من إجمالي الناتج المحلي العراقي لعام 2024.
ورغم هذا الحجم الكبير من التمويل، وبحسب العبيدي، فإن دراسة المؤشرات الاقتصادية التي يُفترض أن تتأثر مباشرة بهذه المبادرات تثير تساؤلات جدية؛ إذ لم يُسجَّل تحسّن ملموس في الناتج المحلي غير النفطي، كما استمرت معدلات البطالة في الارتفاع خلال السنوات العشر الماضية، دون أن تعكس البيانات الرسمية أثراً إيجابياً واضحاً لهذا الدعم التمويلي. كذلك، لم يظهر تأثير ملموس على الإيرادات غير النفطية، ولا سيما الإيرادات الضريبية والكمركية، على الرغم من أن أحد الأهداف الأساسية للمبادرة كان تنشيط المشاريع الصغيرة والمتوسطة بما يسهم في توسيع قاعدة الإنتاج غير النفطي، وتقليل البطالة، وتعزيز موارد الدولة غير النفطية.
وعند النظر إلى حجم التمويل من زاوية مختلفة، وفقاً للعبيدي، نجد أن تمويلاً يعادل نحو 6% من إجمالي الناتج المحلي الكلي، وإذا ما قيس بحجم الناتج المحلي غير النفطي للقطاع الخاص الذي لا يمثل سوى 30–35% من الناتج المحلي الإجمالي، فإن نسبة التمويل إلى هذا الناتج تصل إلى قرابة 21%. وهي نسبة كان يُفترض، نظرياً وعملياً، أن تُحدث أثراً جوهرياً في بنية القطاع الخاص ودوره الإنتاجي؛ إلا أن غياب هذا الأثر يفتح الباب أمام تساؤلات مشروعة حول أسباب عدم انعكاس هذا التمويل الكبير على مؤشرات الاقتصاد الكلي في العراق.
ويؤكد العبيدي أن تجاوز التحديات الاقتصادية في المرحلة المقبلة يتطلب إعادة تصميم المبادرات التمويلية على أسس أكثر دقة ووضوحاً، من خلال توجيه التمويل نحو قطاعات محددة ذات قدرة إنتاجية وتصديرية، مثل القطاع الصناعي، والسياحي، والخدمي، بما يضمن خلق مؤشرات اقتصادية حقيقية، تشمل خفض معدلات البطالة، وزيادة الناتج المحلي غير النفطي، وتقليص عجز الميزان التجاري غير النفطي.
وفي هذا السياق، تبرز ضرورة قيام الجهات المختصة بمراجعة شاملة لنتائج هذه المبادرات، عبر تحليل البيانات المتعلقة بالمشاريع الممولة، وتحديد مسارات إنفاق ما يزيد على 7% من موجودات البنك المركزي، وقياس الأهداف التي تحققت فعلياً، إلى جانب تقييم نسب التعثر وكفاءة التوظيف المالي.
فمثل هذا التقييم يُعد خطوة أساسية لإصلاح المبادرة، وضمان تحوّلها من مجرد ضخ سيولة إلى أداة فاعلة للتنمية الاقتصادية المستدامة، بحسب العبيدي.










