بغداد / محمد العبيدي
عادت مناصب نواب رئيس الجمهورية إلى واجهة المشهد السياسي العراقي، بوصفها إحدى أوراق التفاوض في مرحلة ما بعد الانتخابات، وسط تقارير عن مساعٍ تقودها قوى سياسية لإعادة استحداثها بعد سنوات من إلغائها، في خطوة تفتح مجدداً ملف المحاصصة والإنفاق الحكومي، وتثير تساؤلات مباشرة حول جدوى توسيع هرم المناصب العليا في ظل أزمة اقتصادية خانقة وتراجع قدرة الدولة على تمويل المشاريع التنموية والخدمية.
ويأتي هذا الجدل متزامناً مع مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة؛ حيث تسعى قوى سياسية متعددة إلى توسيع حصصها داخل السلطة التنفيذية، عبر إعادة استحداث مناصب سيادية أو شبه سيادية، تُدرج غالباً ضمن تسويات ما بعد الانتخابات، أكثر من ارتباطها بحاجات إدارية أو دستورية ملحة.
عبء مالي يتوسع
في هذا السياق، حذر المحلل السياسي رافد العطواني من أن إعادة استحداث مناصب عليا في الدولة تمثل عبئاً مالياً إضافياً على الموازنة العامة، في وقت تذهب فيه نحو 72% من الموازنة السنوية إلى الإنفاق التشغيلي، بما يشمل الرواتب والمخصصات والدرجات الخاصة.
وقال العطواني لـ(المدى): إن «هذا الواقع يزداد خطورة في ظل اعتماد العراق شبه الكلي على صادرات النفط، في وقت تقف البلاد أمام كارثة حكومات المحاصصة التي تكرس الترهل الوظيفي والمناصبي على حساب الاستثمار والخدمات والتنمية».
وأكد أن «هذه المناصب لا تسهم في تحسين الأداء الحكومي ولا تخدم العملية الديمقراطية، كما أنها تتعارض مع مطالب إصلاحية رفعتها قوى سياسية وشخصيات بارزة، بينها التيار الصدري، فضلاً عن أطراف أخرى تتحدث عن إصلاح حقيقي وبناء دولة مؤسسات».
وكانت مناصب نواب رئيس الجمهورية قد أُلغيت في آب 2015 ضمن حزمة إصلاحات أطلقها رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، استجابة لضغوط شعبية واسعة طالبت بتقليص النفقات ومكافحة الفساد، وهو قرار شمل شخصيات سياسية بارزة في حينه وأثار جدلاً دستورياً واسعاً.
ولاحقاً، حسمت المحكمة الاتحادية العليا الجدل بقرار أكدت فيه أن وجود نائب أو أكثر لرئيس الجمهورية منصوص عليه دستورياً، ولا يمكن إلغاؤه إلا عبر تعديل دستوري، ما أبقى الملف مفتوحاً من الناحية القانونية، وإن ظل معطلاً سياسياً طوال السنوات الماضية.
ترضيات سياسية لا إصلاح إداري
من جانبه، رأى المحلل السياسي علي ناصر أن الواقع الاقتصادي العراقي لا يحتمل استحداث مناصب جديدة أو زيادة الدرجات الخاصة، في وقت تتجه فيه الحكومة إلى تقليص الرواتب والتخصيصات المالية، في محاولة للسيطرة على العجز المالي.
وقال ناصر لـ(المدى): إن «المفارقة تكمن في عودة الحديث عن فرض مناصب مثل نواب رئيس الجمهورية، وهي خطوة تندرج ضمن سياسة الترضيات السياسية لشخصيات حصلت على مقاعد انتخابية دون أن تنجح في حجز مواقع تنفيذية متقدمة».
وأضاف أن «الكلفة المالية لا تقتصر على شاغل المنصب، بل تشمل مكاتب إدارية، وحمايات، وامتيازات، ونفقات تشغيلية إضافية، ما يفاقم الأعباء على الاقتصاد الوطني ويعيد إنتاج مشهد الامتيازات الواسعة للمسؤولين، مقابل محدودية دخول المواطنين».
ومع اقتراب استحقاق تشكيل الحكومة الجديدة، عاد الملف إلى الواجهة بوصفه جزءاً من مفاوضات توزيع المواقع، في ظل تضخم عدد الكتل البرلمانية وتعدد مطالبها؛ حيث يجري التعامل مع منصب نائب الرئيس باعتباره موقعاً ضمن معادلة التوازن المكوناتي، أكثر من كونه منصباً تنفيذياً بمهام واضحة.
نواب رئيس الجمهورية إلى الواجهة مجدداً.. جدل المناصب في زمن التقشف

نشر في: 22 ديسمبر, 2025: 12:29 ص








