TOP

جريدة المدى > خاص بالمدى > دعوات نزع السلاح تحت الاختبار: الفصائل «تسلّم السلاح إلى نفسها»!

دعوات نزع السلاح تحت الاختبار: الفصائل «تسلّم السلاح إلى نفسها»!

«محور المقاومة» يتقلص بعد صمت الولائي وتراجع الغراوي

نشر في: 22 ديسمبر, 2025: 12:43 ص

تحذيرات من الاكتفاء بتفكيك السلاح الثقيل والإبقاء على الخفيف لتخويف الداخل

بغداد/ تميم الحسن

تداخل ملف تسمية رئيس الوزراء المقبل، على نحو متسارع، مع قضية «نزع سلاح الفصائل»، وهي مسألة يراها سياسيون محفوفة بالشكوك، في ظل مخاوف من أن يقتصر الأمر على نقل السلاح داخل الجماعات نفسها، أو الإبقاء على الأسلحة الخفيفة، بما قد يشكّل تهديداً مباشراً للاستقرار الداخلي.
وبرغم توقعات مسبقة برفض قوى مسلحة أخرى أي خطوات جدّية في هذا الاتجاه، رفضت فعلياً أبرز جماعتين مسلحتين تصنّفان نفسيهما ضمن ما يُعرف بـ«محور المقاومة» التخلي عن سلاحهما، ما يضع الحكومة المقبلة أمام سؤال بالغ الحساسية: كيف ستتعامل مع جماعات توصف في الأوساط السياسية بأنها «متمردة»، لكنها في الوقت ذاته جزء من المعادلة البرلمانية الحاكمة؟ ونهاية الأسبوع الماضي، أعلنت أربع جهات شيعية تمتلك أجنحةً مسلحةً، عبر بيانات منفصلة، تأييدها المبدئي لمبدأ «حصر السلاح بيد الدولة».
وتزامنت هذه المواقف مع رسائل أميركية وُصفت بالمشدّدة، لم تستبعد — بحسب مصادر سياسية — خيار الردّ العسكري في حال تجاهل هذه الشروط.
ملف السلاح يسبق تشكيل الحكومة
يقول سياسي شيعي، في حديث لـ«المدى»، إن الحكومة العراقية المقبلة ستواجه «ملفاً بالغ الصعوبة» يتمثل في كيفية تصنيف الجماعات التي سترفض تسليم سلاحها، مشيراً إلى أن دعوات «نزع السلاح» المطروحة حالياً قد تعني عملياً «نقله من الفصائل إلى هيئة الحشد الشعبي»، لا تفكيكه بالكامل.
وتمتلك القوى الشيعية أقلَّ من شهرين لتسمية رئيس الوزراء الجديد، في ظل رسائل أميركية واضحة تشترط أن يكون المرشح بعيداً عن الفصائل المسلحة، وهو ما يزيد من تعقيد المشهد السياسي.
ورغم أن السياسي المقرب من دوائر القرار داخل البيت الشيعي — طلب عدم الكشف عن اسمه — أقرّ بأن قرار تسليم السلاح «غير واضح حتى الآن»، فإنه شدد على أن الحكومة المقبلة «ستكون ملزمةً باتخاذ إجراءات قانونية بحق الجماعات الرافضة»، لافتاً إلى أن هذه الإجراءات «قد تشمل، في أسوأ السيناريوهات، الصدام العسكري».
ولا تبدو مؤشرات تراجع الفصائل عن التمسك بسلاحها مكتملة. فالفصائل الأربع الأكبر - التي تقلّص عددها عملياً إلى اثنتين بعد تبدّل موقف إحداها والتزام أخرى الصمت - لا تزال ترفض تفكيك ترسانتها العسكرية، رغم أن بعضها جزء من التحالف الشيعي الحاكم، المعروف بـ«الإطار التنسيقي».
وفي هذا السياق، أعلنت «كتائب حزب الله» و«حركة النجباء»، في بيانات منفصلة، رفضهما تسليم السلاح، فيما اشترطت «الكتائب» إنهاء ما وصفته بـ«الاحتلالين الأميركي والتركي» للعراق قبل أي خطوة من هذا النوع.
وتُعدّ هاتان الجماعتان، إلى جانب «كتائب سيد الشهداء» بزعامة أبو آلاء الولائي — وهو قيادي في «الإطار التنسيقي» فاز بمقاعد في البرلمان — العمود الفقري لما يُعرف بـ«محور المقاومة».
ولم تصدر عن «كتائب سيد الشهداء» حتى الآن مواقف علنية تنسجم مع خطاب نزع السلاح، على عكس «أنصار الله الأوفياء» التي انضمت إلى الدعوات المطالِبة بـ«حصر السلاح بيد الدولة». وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضية، أدلى كل من قيس الخزعلي، زعيم «عصائب أهل الحق»، وشبل الزيدي، زعيم «كتائب الإمام علي»، وحيدر الغراوي، زعيم «أنصار الله الأوفياء»، بخطابات متقاربة دعت جميعها إلى «حصر السلاح بيد الدولة».
غير أن هذه المواقف، شأنها شأن البيانات الصادرة عن الفصائل الأخرى، لم تتضمن أي تفاصيل تتعلق بآليات التنفيذ أو الجداول الزمنية، ما فتح الباب أمام تساؤلات واسعة بشأن مدى جدية هذا التحوّل. ويُنظر إلى هذه الخطوات على أنها محاولة لاحتواء مأزق متنامٍ يواجه «الإطار التنسيقي»، الساعي إلى الحفاظ على تماسك ما يُعرف بـ«الكتلة الأكبر» داخل البرلمان، والتي تضم في صفوفها قوى تمتلك تشكيلاتٍ مسلحةً. وتشير تقديرات سياسية إلى أن الفصائل المسلحة تحوز نحو ثلث مقاعد البرلمان الجديد، فيما تشارك ست جماعات منها في تشكيل «الكتلة الأكبر»، مع وجود مساعٍ لضم قوى إضافية لتعزيز الثقل النيابي.
ما الفرق بين «الحشد» و«الفصائل»؟
يقول السياسي المستقل والنائب السابق مثال الآلوسي إن أصواتاً عراقية بارزة، من بينها رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، إلى جانب شخصيات من مكونات أخرى، طرحت تساؤلات جدية بشأن طبيعة وجود «الحشد الشعبي» وأهدافه المستقبلية. ورغم الاستناد المستمر إلى فتوى المرجعية الدينية في النجف، يتحدث الآلوسي عن «تحفظات متكررة» صدرت عن المرجعية نفسها، إضافة إلى رجال دين ومختصين في القانون والدستور، إزاء إنشاء هيكلية مسلحة منفصلة عن المؤسسة العسكرية، تشبه — بحسب وصفه — «الحرس الثوري الإيراني».
ويعدّد الآلوسي، في حديث لـ«المدى»، جملة اتهامات موجّهة إلى «الحشد الشعبي»، من بينها وجود عناصر وهمية، والتدخل في القرار السياسي، والتفوق على الجيش النظامي من حيث النفوذ، فضلاً عن الانخراط في ملفات الأمن والاقتصاد والبناء والموانئ والجامعات. ويرى أن نقل سلاح الفصائل إلى «الحشد» لا يشكّل حلاً مقبولاً في أي نظام ديمقراطي، ولا يمكن أن تقبل به القوات المسلحة، بوصفه كياناً منافساً يعمل خارج الإطار الصارم للدولة.
عملياً، لم تكن تسمية «الفصائل» شائعة في العراق بعد عام 2003. وبرز المصطلح بشكل واضح مع اندلاع الأزمة السورية عام 2011، حين انتقلت جماعات مسلحة عراقية إلى هناك بذريعة «الدفاع عن العتبات الشيعية».
ومع مرور الوقت، شكّلت معظم هذه الجماعات نواة «الحشد الشعبي» لاحقاً، ما وضع الحكومة العراقية في موقف حرج، لا سيما في علاقتها مع واشنطن، ودفع رئيس الوزراء آنذاك حيدر العبادي (2014–2018) إلى إعلان أن «كل جهة عراقية تقاتل في سوريا لا تمثل الدولة».
وفي حزيران 2014، ومع اجتياح تنظيم «داعش» لمدينة الموصل، انخرط متطوعون — من بينهم فصائل اكتسبت خبرة قتالية في سوريا — تحت مظلة «الجهاد الكفائي» التي دعت إليها المرجعية الشيعية في النجف. وظل هؤلاء يُشار إليهم بوصفهم «متطوعين» في خطاب المرجعية، وبـ«الحشد الشعبي» في الخطاب السياسي، إلى أن شُرّع قانون «الحشد» في البرلمان عام 2016.
وبين أواخر 2018 و2022، برزت جماعات بأسماء جديدة مثل «عصبة الثائرين» و«أصحاب الكهف»، تبنّت هجمات ضد السفارة الأميركية ومطار بغداد وقواعد عسكرية عراقية. وفي عام 2020، تشكّلت «تنسيقية المقاومة» وضمّت جماعات مشاركة في «الحشد»، قبل أن تعلن هدنة مع وصول محمد شياع السوداني إلى رئاسة الحكومة نهاية 2022.
وبحسب قانون «الحشد» لعام 2016، والأمر الديواني الصادر لاحقاً عن رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي، كان من المفترض فصل قوات الحشد — التي تضم نحو 70 تشكيلاً — عن القيادات السياسية. إلا أن الواقع شهد، خلال السنوات الماضية، تغيير أسماء الفصائل إلى أرقام عسكرية، مثل «اللواء 46»، الذي لا يزال يُعرف فعلياً باسم «كتائب حزب الله».
وانهارت الهدنة القصيرة في عام 2023 مع اندلاع حرب غزة، وهو ما أظهر أوضح تمييز عملي بين «الحشد» و«الفصائل» على مستوى العمليات. فرسمياً، لا يزال الطرفان جزءاً من «هيئة الحشد الشعبي»، وتمتلك الفصائل أرقام ألوية داخلها شأنها شأن بقية التشكيلات. لكن ميدانياً، أعلنت «كتائب حزب الله» — في ذروة استهداف القواعد الأميركية وإسرائيل — قائمة الفصائل التي باتت تُسمى «المقاومة».
وأثار هذا الإعلان خلافات داخل البيت الشيعي، بعدما لم تُدرج «عصائب أهل الحق» ضمن تلك القائمة. في المقابل، أظهرت «الكتائب»، التي تمثل جناحاً سياسياً فاز في الانتخابات البرلمانية الأخيرة عبر «كتلة حقوق»، أن ما يُعرف بـ«فريق المقاومة» يضمها إلى جانب «كتائب سيد الشهداء» و«حركة النجباء» بزعامة أكرم الكعبي و«أنصار الله الأوفياء». وبعد سلسلة ضربات أميركية استهدفت قيادات في هذه الفصائل، أعلنت الأخيرة هدنة جديدة في شباط 2024، لا تزال قائمة حتى الآن، في مشهد يعكس استمرار الالتباس بين ما هو رسمي ضمن «الحشد الشعبي» وما هو فعلي ضمن «الفصائل»، كجماعات مسلحة ذات قرار مستقل.
كيف يرى الغرب دعوات «حصر السلاح»؟
يشير الآلوسي إلى أن إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب تبنّت، منذ اليوم الأول، موقفاً واضحاً وحاسماً من الأذرع المرتبطة بإيران في العراق وسوريا وبقية المنطقة، معتبراً أن واشنطن «تعني ما تقوله» عندما تتحدث عن نزع سلاح المليشيات وتجريد إيران من طموحاتها التوسعية.
ويؤكد الآلوسي أن المقاربة الأميركية لا تقتصر على تقليص النفوذ الإيراني، بل تهدف أيضاً إلى منع ما يصفه بـ«ابتلاع العراق» عبر جماعات مسلحة تعمل خارج منطق الدولة. ويحذر من أن تغيير الخطاب السياسي لهذه الجماعات أو تبنيها مفردات جديدة، مثل «حصر السلاح»، لا يعني بالضرورة تغيير أهدافها العقائدية أو سلوكها العملي. وفي هذا السياق،
يلفت الآلوسي إلى أن واشنطن لا تنظر بجدية إلى مقترحات تقوم على نقل السلاح من الفصائل إلى جهات تسيطر عليها القوى نفسها، معتبراً أن الولايات المتحدة «ليست ساذجة» لتقبل حلول شكلية تقوم على تبديل العناوين من دون تفكيك فعلي للبنى المسلحة.
ويرى أن الولايات المتحدة، إلى جانب قطاع واسع من العراقيين ودول المنطقة، تنتظر «دلائل ملموسة» تثبت صدقية دعوات نزع السلاح، محذراً من أن بعض المبادرات قد تكون محاولة لتهيئة الطريق للسيطرة على الحكومة المقبلة أو لضمان مشاركة هذه القوى فيها بثقل سياسي، تحت عنوان طمأنة واشنطن.
ويتوقف الآلوسي عند الطروحات التي تتحدث عن نزع السلاح الثقيل والإبقاء على الخفيف، معتبراً أن هذا الخيار يهدف عملياً إلى طمأنة الخارج — ولا سيما الولايات المتحدة ودول الخليج — مع الاحتفاظ بأدوات السيطرة الداخلية.
ويشير إلى أن «السلاح الخفيف هو الأكثر تأثيراً في ترهيب المجتمع وتكريس أنماط الحكم»، ما يعني، بحسب تقديره، أن العراق قد يُدفع ثمنه مقابل ضمان أمن الإقليم. ويخلص الآلوسي إلى أن نزع السلاح يُعد خطوة إيجابية من حيث المبدأ في نظر الغرب، لكنه يبقى، من دون إجراءات واضحة وقابلة للتحقق، مجرد خطاب سياسي.
ويحذر من أن استمرار الغموض قد يفتح الباب أمام تصعيد أو استهداف مباشر، في ظل وضع ملف الفصائل المسلحة تحت مجهر المجتمع الدولي، وتصاعد الدعوات لمنع استخدامها كورقة ضغط أو ابتزاز سياسي في العلاقات مع الولايات المتحدة أو غيرها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

دعوات نزع السلاح تحت الاختبار: الفصائل «تسلّم السلاح إلى نفسها»!

دعوات نزع السلاح تحت الاختبار: الفصائل «تسلّم السلاح إلى نفسها»!

تحذيرات من الاكتفاء بتفكيك السلاح الثقيل والإبقاء على الخفيف لتخويف الداخل بغداد/ تميم الحسن تداخل ملف تسمية رئيس الوزراء المقبل، على نحو متسارع، مع قضية «نزع سلاح الفصائل»، وهي مسألة يراها سياسيون محفوفة بالشكوك،...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram