TOP

جريدة المدى > محليات > إحصاءات رسمية: التصحر يهدد 96 مليون دونم في العراق وتراجع حاد في المساحات المزروعة

إحصاءات رسمية: التصحر يهدد 96 مليون دونم في العراق وتراجع حاد في المساحات المزروعة

نشر في: 23 ديسمبر, 2025: 12:01 ص

 بغداد/ المدى

لم تعد أرقام التصحر في تقارير المؤسسات العراقية مجرد مؤشر تقني، بل باتت واقعاً يضرب مساحات شاسعة من أرض العراق؛ إذ كشف الجهاز المركزي للإحصاء التابع لوزارة التخطيط العراقية، في تقريره الصادر أخيراً، عن أن المساحات المهددة بالتصحر بلغت 96.5 مليون دونم (الدونم = 2500 متر مربع)، في حين وصل إجمالي الأراضي المتصحرة فعلياً إلى 40.4 مليون دونم، ما يعكس زيادة ملحوظة مقارنة بعام 2021.
وفي الوقت نفسه، أورد التقرير أن المساحة المزروعة الكلية في العراق خلال عام 2024 بلغت 11.9 مليون دونم فقط، توزعت بين الأراضي الديمية (البعلية) والمروية وتلك التي تعتمد على مياه الأنهار، والتي انخفضت إلى نحو 1.5 مليون دونم، في مؤشر مباشر على تفاقم الأزمة المائية. وهذه الأرقام جاءت نتاج تراكم سياسات مائية إقليمية ومحلية، وتغيرات مناخية متسارعة، وممارسات زراعية غير مستدامة أدّت مع الوقت إلى تملّح وتدهور واسع في التربة.
ويشير الخبير الزراعي شاكر الدليمي، إلى ضرورة التوقف عند مجموعة عوامل متشابكة حول ملف التصحر؛ أولها السياسات المائية لدول المنبع، حيث يعتمد العراق بشكل شبه كامل على نهري دجلة والفرات اللذين ينبعان من تركيا، وأنهار صغيرة أخرى تنبع من إيران، وقد أدى بناء السدود الكبرى وتغيير سياسات الإطلاقات المائية في البلدين الجارين إلى تقليص الحصة المائية الواصلة إلى الداخل العراقي. ويضيف الدليمي أن ثاني العوامل هو التغير المناخي، إذ يُعدّ العراق ضمن أكثر الدول هشاشة أمام تغير المناخ، مع تسجيل ارتفاع ملحوظ في درجات الحرارة، وتراجع معدلات الأمطار، وتكرار موجات الجفاف.
وثالثاً، يأتي «تدهور إدارة الموارد المائية داخلياً» حسب الدليمي، الذي أوضح أن «استخدام تقنيات الري الحديثة ما زال محدوداً»، أما رابع العوامل فهو تملح التربة والاستنزاف الجوفي جراء توسّع الاعتماد على الآبار. وفي شأن متصل، يقول المتخصص في الزراعة المستدامة المهندس الزراعي صالح مهدي، إن «الزراعة العراقية تواجه أسوأ أزمة منذ عقود»، مبيناً أن «ما نراه اليوم ليس تذبذباً موسمياً، بل تآكل ممنهج لأسس الإنتاج الزراعي».
ويضيف مهدي: «إن الانتقال من ري الأنهار إلى الاعتماد على الآبار له ثمن بيئي؛ فهبوط المياه الجوفية يرفع مستوى الملوحة ويخفض من خصوبة التربة، وهذا يفسر لماذا يتحول المزارع إلى زرع محاصيل أقل قيمة أو التخلي عن الزراعة كلياً». ويقدم الخبير الزراعي أرقاماً مقارنة، إذ يلفت إلى أن الأراضي التي كانت تعتمد على مياه الأنهار انخفضت بنسبة قد تصل إلى 60% في بعض الإحصاءات الحكومية، وفي بعض المحافظات كانت الأراضي المروية تتراوح بين 4–6 ملايين دونم، لكنها اليوم تقلصت إلى أقل من النصف في مواسم متعددة. وما يأسف عليه مهدي هو أن العراق «خسر كثيراً عندما لم يلحق بالتطور التقني في الزراعة والري».
من جانبه، يفسّر الخبير البيئي أحمد حسن، كيف أن تراجع الغطاء النباتي يُعدّ مولِّداً رئيسياً للعواصف الترابية التي تخنق المدن وتؤثر في صحة الناس، ويقول حسن: «كلما فقدنا نباتاً محلياً، ازداد تعرض التربة العراقية للتعرية الهوائية والسطحية، ونفقد خدمات النظام البيئي مثل امتصاص الكربون، وتلطيف المناخ المحلي، والحفاظ على الرطوبة». ويشرح حسن تأثيرات الجفاف لافتاً إلى أنها تتمثل بـ «فقدان الكتلة النباتية وزيادة فقدان المواد العضوية وخفض قدرة التربة على احتجاز الماء، ما يؤدي إلى تدهور هيكل التربة وزيادة النفاذية للرياح».
من جهته، يوضح الباحث في الشأن البيئي حسين النداوي، المخاطر التي تهدد الأحياء المائية في العراق جراء التصحر، مبيناً أنه لاحظ أن انخفاض التدفق النهري وارتفاع الملوحة أدى إلى انخفاض التنوع السمكي وازدياد الهجرة والنفوق. ويلفت النداوي إلى أن «السلسلة الغذائية» تضررت كثيراً ومهددة بضرر أكبر جراء توسع الجفاف. ومن جانب آخر، يوثق النداوي من واقع زيارات ميدانية لقرى في محافظات الوسط والجنوب مشاهد الهجرة الداخلية، مؤكداً أن «العديد من العائلات لم تعد ترى جدوى من البقاء على الأرض». وأشار إلى أن هذا التحول الاجتماعي له آثار فورية تتمثل في «تراجع إنتاج الحبوب والخضراوات المحلية، وانهيار سلاسل الإمداد المحلية، وزيادة الضغط على المدن من خلال موجات نزوح ريفي».

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

مقالات ذات صلة

زيادة تدفقات مياه دجلة وكارون تخفّض الملوحة في البصرة وتعزز استدامة الزراعة
محليات

زيادة تدفقات مياه دجلة وكارون تخفّض الملوحة في البصرة وتعزز استدامة الزراعة

 البصرة / عمار عبد الخالق   شهد شط العرب وعدة مناطق في البصرة انخفاضاً ملحوظاً في مستويات الملوحة، بعد أن كانت المنطقة تعاني خلال الفترة الماضية من ارتفاع حاد أثّر بشكل سلبي على...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram