محمد حسن الساعدي
بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة مع التجاذبات التي تمر بها العملية السياسية،والواقع الاقليمي الذي يلقي بظلاله على المشهد السياسي عموماً،وان عملية تشكيل الحكومة القادمة تواجه تحديات داخلية وخارجية معقدة أبرزها التوافق السياسي والمحاصصة والتي أثرت بشكل كبير على المشهد عموماً وجعلته يتعرض للكثير من الاهتزازات في بنيته،كما أن الضغوط والتدخلات الاقليمية والدولية والازمات الاقتصادية والاجتماعية هي الاخرى ألقت بظلالها على المشهد عموماً ما يستدعي حلولاً جذرية لاإصلاحات شكلية.
أهم التحديات البنيوية الداخلية والتي تتطلب الوقوف وقراءتها بتروي بعيداً عن التوافقات التي أضرت كثيراً باستحقاقات المكونات وهي المحاصصة الطائفية والمكوناتية،فالنظام السياسي العراقي ما زال قائماً على مبدأ تقاسم السلطة بين المكونات، وهو ما يضعف مؤسسات الدولة ويجعل تشكيل أي حكومة امر بالغ التعقيد ومليء بالمساوامات،كما أن الصراع داخل البيت السياسي، هو الآخر قد يؤدي الى تأخير تشكيل الحكومة ما يؤدي الى تفاقم حالة الجمود الاداري وتعطيل عجلة الاصلاحات في مؤسسات الدولة كافة،سيما أن الدولة بحاجة الى إعادة بناء شاملة لمؤسساتها وليس مجرد إصلاحات تجميلية لضمان إستقرار طويل الأمد.
التحدي الآمني هو الآخر يعد من أهم العراقيل التي تقف عائقاً امام قوة الدولة ومؤسساتها الدستورية،فملف حصر"السلاح بيد الدولة" يعد من اهم الملفات وأخطرها في البلاد،خصوصاً مع وجود السلاح المنفلت الذي يعد منافساً لقوة الدولة وسطوتها على الارض العراقية، ما يعد تحدياً في بيان قوتها وسطوتها أمام هذا السلاح،كما ان وجود أي سلاج خارج المنظومة القانونية والامنية يعد تهديد لسيادة الدولة ويهدد قوتها ونظامها الدستوري،بالاضافة يكون مسوغاً امام التدخلات الخارجية التي تريد أن يكون لها موطأ قدم في العراق، وهذا ما يستدعي وقفة جادة من كل القوى السياسية وبالتعاون مع الحكومة الجديدة ان تكون على قدر المسؤولية القانونية في حفظ هيبة الدولة ومسارها القانوني ويعكس السمعة الجيدة للعراق امام العالم.
التحدي الاقتصادي هو الآخر يفرض نفسه على المشهد وسط غياب الحلول الناجعة،فالبرغم من الثروة النفطية الهائلة الا ان نسبة البطالة مرتفعة وتشكل تحدي أمام تحسين دخل الفرد الامر الذي يهدد الاستقرار الاجتماعي ويعرقل مسية الاصلاح الاقتصادي، بالاضافة الى الفساد الاداري والمالي الذي يعد من اهم العقبات امام أي عملية إصلاح أقتصادي لانه يلتهم موارد الدولة ويضعف ثقة المواطن بحكومته وهيبة الدولة.
أهم الملفات المعقدة والتي تنتظر الحل بين الحكومة العراقية والقوى السياسية هي العلاقة مع الولايات المتحدة الامريكية والتي تعتبر من اهم المؤثرات على السياسية الداخلية والخارجية،فواشنطن تريد فرض رأيها وتسعى الى رسم سياسة جديدة للعراق عبر القناة الاقتصادية، فالدولار الامريكي هو المتحكم بالاقتصاد العراقي، لذلك ينبغي على الحكومة القادمة ان تضع في أولوياتها التعاطي الجدي والإيجابي مع ملف الاقتصاد وإيجاد بدائل لدعم الموازنه الاتحادية وليس فقط الاعتماد على الدولار ،وإيجاد التوازن بين الوضع الإقليمي والدولي والذي بالتاكيد سيبقى معضلة أساسية لأي حكومة قادمة .
التطورات التي تشهدها المنطقة خصوصاً بعد احداث غزة تفرض على العراق وضعاً جديداً في ان يكون لاعباً حذراً لتجنب الانزلاق في صراعات جديدة،ناهيك عن الأحاديث المتزايدة عن تغييرات في العملية السياسية الامر الذي يضع الحكومة المقبلة امام تعهدات لنفسها وللجمهور في دفع البلاد باتجاه الاستقرار السياسي والاجتماعي والبدء بالنمو الاقتصادي اعتماداً على موارد جديدة أهمها الاستثمار وتعظيم موارد الدولة وإيحاء حل عادل لتحسين الوضع المعاشي للمواطن العراقي،والذهاب فورا إلى أتمتته المؤسسات وإنهاء سطوة السلاح على المنظومة السياسية والحكومية وإنهاء الفساد عبر قواعد إلكترونية تفرض على كافة المؤسسات الحكومية وتنهي الفاسدين إلى الأبد .
الحكومة العراقية المقبلة ستواجه تركة ثقيلة من الأزمات المزمنة تترواح بين المحاصصة الداخلية والفساد وبين الضغوط الإقليمية والتدخلات الدولية، وان اي نجاح لها يعتمد على قدرتها في إعادة بناء منطق الدولة وتقديم حلول جذرية للازمات الاقتصادية والاجتماعية مع ضبط الامن وحفظ السيادة بعيداً عن نفوذ السلاح والضغوط الخارجية .










