طالب عبد العزيز
اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها مع معاوية بن ابي سفيان إلّا في سرديتين أخريتين، واحدة؛ حظيت باحترام الشيعة؛ مشفّعة بالعِصمة المطلقة، تقول بأنّه إنمّا أراد بذلك حقن دماء المسلمين، والثانية أقلَّ تواضعاً من الأولى، وصفت عند البعض على أنها ضعفٌ وهوان منه، وهي غالباً ما تذكر ضمن سردية التحية المعروفة التي حيّا بها أحدُهم الامامَ بقوله:"السلام عليك يا مذلَّ المؤمنين».
يجب ألا يعيبَ أحدٌ على الذين استلوا قضية صلح الحسن مع معاوية؛ في تبرير تسليم سلاح الجماعات والفصائل المسلحة الى الدولة، وتحت الضغط الأمريكي، فالمرحلة تقتضي طرح أنموذج الحسن بن علي ، هذه المرة، ولا نريد القول بأنَّ سردية كربلاء ومعركة الطف أدَّت غرضها، وحققت ما حققته، لصالح البلاد؛ بطرد الإرهاب، وعناصر الدولة الإسلامية، ولصالح زعامات الجماعات المسلحة التي حازت السلطة والمال والنفوذ، وإن لم توصف كغنائم حرب، وحقوق المنتصر، التي يجدُ البعض أكثر من سبيل شرعيٍّ في تخريجها، على الرغم من الاجماع على أنّها تدخل ضمن منطق القهر والفلتان الأمني، والاستحواذ غير المبرر، ذلك لأنَّ هؤلاء لو ظلوا في بيوتهم لم يكونوا لينالوا شيئاً من المال والسلاح والسلطة، حيث ينبغي أن يكون الجهادُ لوجه الله خالصاً.
لكن، هل يمكننا القول بأنَّ سردية الحسين الثورية، الموشاة بالشجاعة والدم ألقت بظلالها على طبيعة حياة أبناء الطائفة الشيعية، وهل ما حدث ويحدث دائماً من اقتتال واحتدامات مسلحة بين القبائل نتيجة لتوغل فكرة التضحية الحسينية في النسيج الاجتماعي الشيعي؟ قطعاً لا يمكن عزل ذلك عن هذا، فعلى امتداد أعوام طويلة طرحت قضية الامام الحسين بوصفها القضية الوحيدة؛ في العقيدة الشيعية، ولم تبرز أيُّ صورة أخرى بموازاتها، وتم تداول الشجاعة والاقدام على تلقي الموت على أنه خلاصة الفعل الإنساني، فالمرؤ إمّا ينتهي الى أنْ يعيش(كريماً) -وهذه لفظة تُحملُ لديهم بمعى واحد- وإمّا ينتهي الى الموت، ولا وجود لمنطقة فاصلة بين النهايتين، فالحسين لم يقبل بحياة غير كريمة، واختار الموت(الشهادة) وهناك المئات والآلاف من الذين أزهقت أرواحهم، في معارك جانبية، لا علاقة للدين وقضية الحسين والطائفة بها إنما هي معارك قبلية محض، وخلافات شخصية لأنهم لم يعثروا على الخيط الفاصل بين الموقف العادل والشجاعة والشهادة من جهة والباطل والحُمق والتهور من جهة ثانية.
حدث ذلك كله لأنَّ الجماعات تلك تلقت السردية الثورية الحسينية كجرعة أحادية للعيش، هي جرعة الحرب والمواجهة التي لا يجدون بأساً فيها إذا ما انتهت بالموت، وأهملت تماما الجرعة الثانية؛ جرعة الحسن السلمية والتصالحية والقبول بالعيش مع الآخر، ولم يتم تداولها والحديث عنها بوصفها مادة ممكنة للحياة؛ في ظرف معين ما. نقول هذه لا لتطييب خواطر العناصر والجماعات المسلحة التي أرغمت؛ وسترغم أكثر على تسليم سلاحها، على وفق منهج الادارتين الامريكية والإسرائيلية، القائل بفرض السلام تحت أزيز الدرونات ودويِّ الطائرات لكن، لأنهم استنهظوا مثابة هي الاصلح للعيش اليوم، وإن كانت تحت جعجعة السلاح، فالحليم الحليم هو الذي يناور ويجترح الخلاصات ويحسم الامر باقل كلفة.









