TOP

جريدة المدى > عام > الكاتب أكيرا ميزوباياشي: "تعرض والدي للتعذيب وسوء المعاملة، لكونه من دعاة السلام"

الكاتب أكيرا ميزوباياشي: "تعرض والدي للتعذيب وسوء المعاملة، لكونه من دعاة السلام"

صدور رواية يابانية جديدة عن أهوال الحرب:

نشر في: 24 ديسمبر, 2025: 12:02 ص

ترجمة : عدوية الهلالي
نشر الكاتب الياباني، الذي حظي عمله بتقدير الأكاديمية الفرنسية، روايته «غابة اللهب والظلال» وهي قصة رقيقة ومؤثرة تصور حياة ثلاثة ناجين في نهاية الحرب العالمية الثانية في اليابان. ويشهد فصل الخريف ازدهارًا ملحوظًا للكاتب الياباني أكيرا ميزوباياشي، الذي يكتب بالفرنسية، والذي لاقت مقالته البارعة والعميقة عن الحمامات اليابانية، "المياه العميقة"، استحسانًا كبيرًا. اذ صدرت روايته الجديدة "غابة اللهب والظلال" عن دار غاليمار الفرنسية للنشر، وهي قصة مؤثرة عن رين، وبين، ويوكي، الذين سحقتهم الحرب العالمية الثانية وعناد الإمبريالية اليابانية، والذين نجوا بفضل الموسيقى والرسم ، فضلا عن إعادة إصدار كتاب "الروح المحطمة"، وهو نص قوي عن الفقد والذاكرة، مكتوب بلغة دقيقة وواضحة، ومُزين بخمس وأربعين لوحة من القرن العشرين.
وتستكشف روايات أكيرا ميزوباياشي الحب والفن (الرسم والموسيقى) والصمود في وجه أهوال الحرب وغالبًا ما تتمحور حول ثلاثة أصدقاء، وتستخدم الموسيقى الكلاسيكية كخيط مشترك لاستحضار الجمال الإنساني والمعاناة. وتروي "غابة اللهب والظلال"، وهي تتمة موضوعية للرواية الأولى، قصة رين، الرسام الذي شوهته الحرب، والذي يدعمه صديقه الرسام يوكي وصديقه عازف الكمان بين، بينما يواصل إبداعه، ولا سيما سلسلة من اللوحات المستوحاة من تجاربه ، ففيها نجد كل العناصر التي يتقنها هذا الكاتب: اليابان ونظامها الإمبراطوري المستبد، الذي جرّ البلاد إلى حرب استعمارية مروعة، ثم إلى حرب مع الولايات المتحدة، بلغت ذروتها في أحداث هيروشيما وناغازاكي الشهيرة. وحبٌّ الموسيقى الكلاسيكية وموهبة عازفي الكمان الماهرين، ومهارة الرسامين والتأثير القوي لبعض أعمالهم. حبٌّ الثقافة الأوروبية، ولا سيما رساميها. ثم هناك اللقاءات الرومانسية. ويكررهذا الكاتب مواضيع رواياته لكنه يُجيد ذلك ببراعة.
يوكي، وبين، ورين ثلاثة طلاب فنون في طوكيو عام ١٩٤٣. يعملون في مكتب البريد، ويجدون أنفسهم منخرطين في نقد النظام الياباني. عازف الكمان بين يعرج، ولذلك لا يمكن تجنيده في الجيش. عُيّن رين في البداية رسامًا دعائيًا للحرب، لكن لسوء الحظ، كانت أعماله شاهدة على أهوال الحرب، ولم ترق لرؤسائه، فاُرسل إلى الجبهة وعاد بوجه محروق ويدين مبتورتين. وبفضل حب يوكي، عاد إلى الرسم.
ويُعدّ مشهدٌ واحدٌ محوريًا في إحياء موهبته الفنية عندما تقف زوجته يوكي، عارية تمامًا، لتسمح لرين بالرسم عليها، مُجسّدةً الإلهام المُفعم بالألوان الذي يتدفق في ذهن حبيبها. ويمنح هذا المشهد الإيروتيكي يوكي دورًا هامًا في حياة رين. ثم يرزقان معًا بابنة تُدعى آيا، تدرس الكمان مثل عمها بين، الذي يعمل عازف كمان أول في جنيف. ويقول المؤلف إنه استلهم هذه الرواية بعد زيارته لمتحف ماروكي، الذي تُصوّر أعمال إيري وتوشي ماروكي فيه أهوال هيروشيما.
ويموت رين بعد أن رسم خمس عشرة لوحة رائعة تُندد بأهوال الحرب. ثم تجتمع العائلة مجددًا في باريس، حيث تفتتح يوكي معرضًا للترويج لأعمال زوجها. وتعد رواية أكيرا ميزوباياشي ممتعة للقراءة، ويرجع ذلك جزئيًا إلى كونها قصيدة في مدح الثقافة الفرنسية والأوروبية. كما أن اللقاءات الرومانسية التي تتمحور حول اللوحات أو موسيقى بيتهوفن ومندلسون تُضفي متعةً خاصة على القراءة...
صحيفة الفيغارو الفرنسية أجرت حواراً مع الكاتب جاء فيه :
*وُلدتَ في اليابان عام ١٩٥١. لماذا تكتب بالفرنسية؟
- في عام ١٩٧٥، في الرابعة والعشرين من عمري، عدتُ إلى طوكيو بعد عامين من الدراسة في مونبلييه، حاملاً معي أطروحة عن روسو مكتوبة بالفرنسية. أعتقد أن قراءة أعمال الكاتب الياباني موري أريماسا، الذي ضحى بكل شيء من أجل لغة أجنبية، وهي الفرنسية، كانت بمثابة زلزال داخلي بالنسبة لي ، إذ شعرتُ بأن اللغة اليابانية، لغة الإمبريالية،لغة قسرية. وأدركتُ، كما أدرك موري أريماسا قبلي، أن البُعد اللغوي للتجربة اليابانية ينبع من النظام الإمبراطوري، لأنه ينطوي على تسلسل هرمي رأسي، عالم من الهيمنة والخضوع. وفي عام ٢٠١١، نُشر كتابي الأول بالفرنسية بعنوان "لغة من مكان آخر" وكان بمثابة ولادة جديدة؛ حيث شعرتُ بتوسع آفاقي، دون أن أبتعد عن لغتي.

*في روايتيك "روح محطمة" و"غابة اللهب والظلال"، تندمج شخصياتك، كالذرات، أو تنشطر لتشكل ثلاثيات أو رباعيات. لماذا؟
- بين، عازف الكمان، هو بمثابة صوت لي، وبالنسبة له ولي، تُمثل الرباعية الوترية نموذجًا للحضارة والمجتمع. وتزدهر فيها علاقة جدلية بين الفرد والجماعة، إذ يستطيع كل فرد أن يكون على طبيعته تمامًا مع حاجته للآخرين. ويتجسد هذا النموذج الاجتماعي بشكل مصغر في الشكل الموسيقي. ومن هنا، وُلد فن الرباعي الوتري في القرن الثامن عشر؛ إنه حقًا إبداع ثقافي لعصر التنوير، ذلك العصر الذي كان الناس فيه يتأملون في تصميم مجتمعات جديدة.
*تُعدّ شخصية الأب أساسية في رواياتك؛ هل كان والدك عاملًا حاسمًا؟
- من بين اللوحات التي تُزيّن رواية "الروح المحطمة"، اثنتا عشرة لوحة لماتيس وست لوحات لكاندينسكي، اللذين جمعا بين الموسيقى والألوان من خلال التناغم الحسي، وهو ما يلامسني. كان والدي يعشق ماتيس. وكنتُ أعشق والدي. لقد حاول مقاومة التعصب الإمبراطوري الياباني وجموده. كانت النزعة القومية، حتى قبل الحرب، متفشية في اليابان، وكان والدي، أستاذ الفيزياء المتواضع، يُفضّل المنهج العلمي. لم يكن لذلك تأثير يُذكر أمام النزعة القومية المتأججة، والنزعة الحربية المتعطشة للموت. لقد تعرض للتعذيب وسوء المعاملة، جسديًا ونفسيًا، رغم كونه مسالمًا. كانت الموسيقى ملاذه الوحيد ليتحمل ما لا يُطاق: الموسيقى وفيكتور هوغو! كل أعمالي تنبع منه، فهو الذي أخبرنا بما عاناه، ونقل إليّ مثاله الأعلى للحضارة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: موتسارت الاعجوبة

فاضل السلطاني شاعر الترحال والبحث عن الذات

رواية سونتاج (في أمريكا) عن الهجرة واكتشاف الذات

كريم السعدون.. شاعر اللون وصوت الإنسان في فضاء التشكيل

بروتريه: عبد الستار ناصر.. السارد الذي حكى سيرته بشجاعة

مقالات ذات صلة

انت تتجنب الاختلاط بالآخرين ؟  هنا مكمن قوتك
عام

انت تتجنب الاختلاط بالآخرين ؟ هنا مكمن قوتك

رامي كامنسكي* ترجمة: لطفية الدليمي يُمضي بعض الأشخاص حياتهم وهم يشعرون بأنهم خارج المكان Out of Place؛ بمعنى أنّهم لا ينتمون إلى أيّ من المجموعات أو التجمّعات المعروفة اجتماعيًّا أو سياسيًّا أو مهنيًّا. يبدو...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram