TOP

جريدة المدى > سياسية > «شرايين العراق المائية».. كيف دحضت تجارة الأنهار رواية «القبائل والقرى»؟

«شرايين العراق المائية».. كيف دحضت تجارة الأنهار رواية «القبائل والقرى»؟

نشر في: 24 ديسمبر, 2025: 12:04 ص

 متابعة / المدى

سلط موقع «ميدل إيست آي» البريطاني الضوء على حضارة العراق المعاصرة والتاريخية، موضحاً كيف ترابطت البلاد عبر «شرايينها القديمة» المتمثلة في الأنهار والسفن البخارية. واستهل التقرير، الذي ترجمته وكالة «شفق نيوز»، بالإشارة إلى المقبرة «الأنكليكانية» القديمة في حي باب الشرقي ببغداد، حيث يقصدها الزوار بحثاً عن قبر جيرترود بيل، «ملكة الصحراء» التي ساهمت في تشكيل العراق الحديث عقب تفكك الإمبراطورية العثمانية.
وبالقرب من قبر بيل، يقع شاهد قبر الضابط البريطاني تشارلز هنري كاولي، المولود في بغداد عام 1872. ورغم أن حياته أقل شهرة، إلا أنها تظهر تموضع العراق وسط شبكة تجارية نهرية عززت المصير السياسي للمنطقة. وتتعارض قصة كاولي مع رواية جيرترود بيل التي صورت الشرق الأوسط كـ «قائمة فارغة» تنتظر الاختراع الأوروبي بعد الحرب العالمية الأولى. ويطرح هذا التاريخ أهمية معاصرة رداً على تصريحات السفير توم باراك، الذي زعم مؤخراً أنه «لا يوجد شرق أوسط، بل قبائل وقرى»، مدعياً أن الدول القومية مجرد اختراعات استعمارية. ويرى منتقدو تسويات ما بعد الحرب العالمية الأولى أن اتفاق «سايكس بيكو» فرض بنيات مصطنعة على مجتمعات «بدائية». لكن التقرير يؤكد أن حدود «سايكس بيكو» لخدمة المصالح الإمبريالية لم تستحضر الحضارات من العدم؛ فتاريخ العراق الطويل المتميز بالتجارة والعلم كُتب قبل وصول رسامي الخرائط الأوروبيين، وهي آراء دحضها إدوارد سعيد سابقاً في نقده للاستشراق.
إن حياة كاولي تفتح نافذة على حقبة كان فيها دجلة والفرات «الطرق السريعة» للشرق الأوسط، حيث تعني السيطرة على المياه التحكم في الأسواق والدبلوماسية. كاولي، ابن القبطان البارز من أم أرمنية فارسية، نشأ بين ملاحي السفن البخارية وفهم أن الأنهار هي عصب الحياة الاقتصادي. وبعد تعليمه في ليفربول، عاد لبغداد ليعمل في تجارة الأنهار، وأصبح قبطاناً كبيراً لصالح «شركة الفرات ودجلة للملاحة البخارية» مع اندلاع الحرب العالمية الأولى، حيث كُلف بنقل الإمدادات البريطانية، ما جعله تهديداً للعثمانيين الذين وصفوه بـ «قرصان البصرة». جسد كاولي، بإتقانه العربية ولغات أخرى، تعددية عالمية قديمة في بلاد ما بين النهرين حددتها التجارة لا الحدود. وفي عام 1916، وخلال مهمة لكسر حصار الكوت، أُعدم كاولي بعد كمين لسفينته. ويمثل قبره مفتاحاً لفصل مهمل من التاريخ العراقي، حين كانت الهويات مرنة وتتداخل فيها الأديان والأعراق، وحين ربطت السفن البخارية التجارة والسفر والمراسلات.
وقبل عصر الإنترنت وسلاسل التوريد الحديثة، سيطرت شركة «دجلة والفرات» على التجارة الإقليمية، فكانت الشريان الذي يربط العراق بالهند وبلاد فارس والخليج والأناضول. كما ربطت هذه الشبكات العراق بمدن موانئ مثل إزمير والإسكندرية ويافا، والتي كانت مراكز حضرية تتميز بتعدد لغاتها وانخراطها في الأسواق العالمية، مساهمة في تشكيل طبقة تجارية قبل فرض النماذج الإدارية الأوروبية.
ويشير التقرير إلى أن الحياة الثقافية العراقية لم تنتظر «التنوير الأوروبي»؛ فقبل ألف عام من ارتداء الملك فيصل الأول القبعة الغربية كرمز للتطور، كتب المتنبي عن طبيعة السلطة، ما يثبت أن العراقيين كانوا مترجمين نشطين للحظتهم السياسية. وكانت شركة الملاحة البخارية جزءاً من تحول اجتماعي عميق؛ ففي تكريت مثلاً، اختفت مهنة صناعة الزوارق الصغيرة مع دخول القوارب البخارية، مما أدى لهجرة واسعة نحو بغداد، واضطر العراقيون للتحديث بدلاً من الانغلاق في هويات قبلية.
وخلال تلك الفترة، شجع ضابط من تكريت سكان بلدته على الانضمام للجيش، وكان من بينهم أحمد حسن البكر وصدام حسين. وتظهر مساراتهم كيف أعاد النزوح الاقتصادي توجيه رأس المال البشري نحو مؤسسات الدولة، وهو تطور أعقد من الصورة الكاريكاتيرية لـ «القبائل والقرى». ورغم تراجع قوة الأنهار اليوم بسبب التغير المناخي والسدود، إلا أن السجل التاريخي للعراق، الممتد لآلاف السنين من المسمارية والتشريع، يكذب فكرة افتقار المنطقة لهويات سياسية متماسكة قبل التدخل الأوروبي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

مقالات ذات صلة

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»
سياسية

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

بغداد/ تميم الحسن يتّسع، على ما يبدو، الشرخ داخل الفصائل المسلحة بشأن ملف تسليم السلاح والجهة المخوّلة بإدارته، في انقسام لم يعد محصوراً بالإطار الأمني، بل بدأ يترك أثره المباشر على تفاهمات القوى الشيعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram