TOP

جريدة المدى > سياسية > مركز دراسات: العراق أمامه فرصة لبناء الاستقرار دون الولايات المتحدة ويونامي

مركز دراسات: العراق أمامه فرصة لبناء الاستقرار دون الولايات المتحدة ويونامي

الحكومة الجديدة ستكون أمام اختبار الإصلاح المؤسساتي في البلد

نشر في: 24 ديسمبر, 2025: 12:05 ص

 ترجمة: حامد أحمد

 

أشار تقرير للمعهد الدولي للسلام IPI الأميركي للدراسات في نيويورك إلى أن العراق يمر بمرحلة مفصلية مهمة مع انسحاب القوات الأميركية وإنهاء ولاية بعثة الأمم المتحدة (يونامي) نهاية هذا العام، تتخللها فرصة نادرة للإصلاح المؤسساتي وبناء الاستقرار، والانتقال من مرحلة بناء القوات إلى بناء المؤسسات، حيث ستكون عملية تشكيل الحكومة عقب انتخابات تشرين الثاني 2025، أمام اختبار حاسم فيما إذا ستتعامل مع هذا الملف كضرورة استراتيجية وليس لمقتضيات توافقية قصيرة الأجل.

 

وكانت قوة المهام المشتركة للتحالف الدولي، عملية العزم الصلب، التي تأسست عام 2014 لهزيمة تنظيم داعش، قد شكلت الوجود العسكري الأميركي في العراق لأكثر من عقد، وبحلول أواخر عام 2025، كانت الولايات المتحدة قد سحبت معظم قواتها المتبقية، منهية بذلك ليس فقط عشر سنوات من الانخراط المباشر في قطاع الأمن العراقي، بل أيضاً أكثر من عشرين عاماً من المساعدات الأمنية التي قادتها الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه، ستنهي بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) ولايتها في 31 كانون الأول / ديسمبر 2025، لتطوي قرابة عقدين من الانخراط السياسي المستمر. ويشكل هذا الانسحابان معاً أول لحظة منذ عام 2003 لا يكون فيها أي فاعل دولي رئيسٍ منغرساً في هياكل الحوكمة السياسية أو الأمنية في العراق.
ويثير المراقبون مخاوف بشأن ما يعنيه هذا الواقع الجديد، في وقت يعيش فيه البلد ضغوطاً داخلية وخارجية فيما يتعلق بموضوع حل الفصائل المسلحة، أو ضغوطات اقتصادية محتملة، أو تبعات أمنية متعلقة بمخاطر عودة داعش، حيث من الضروري عدم التهاون مع هذه المخاطر أو التقليل من شأنها. لكن انسحاب كل من القوات الأميركية ويونامي يخلق أيضاً فرصاً في أن يحول العراق تركيزه من بناء قواته إلى تعزيز المؤسسات اللازمة لحوكمة تلك القوات. وعلى الفاعلين الدوليين الذين ما زالوا حاضرين أن يشكلوا انخراطهم وفق هذا المنطق.
لقد ركّزت المساعدة الأمنية على تدريب وتجهيز قوات الدول الشريكة بدلاً من الانخراط في إصلاحات مؤسسية معقدة، وأنتجت بالفعل عدداً من الوحدات العراقية عالية الكفاءة. لكنها لم تنجح في بناء الأسس اللازمة لاستدامة هذه الوحدات على المدى الطويل، ناهيك عن إنشاء بنية أمنية قادرة على تنسيق الرقعة المتشابكة من الجهات الأمنية التي ورثها العراق من عقود من الصراع والتشابك الجيوسياسي.
وقد حسّنت الاستثمارات الكبيرة من المانحين في تدريب وتجهيز وحدات مختارة، ولا سيما جهاز مكافحة الإرهاب، من فعاليتها القتالية. إلا أن هذه الوحدات ظلت معتمدة على المُمكّنات الأميركية، بما في ذلك الإسناد الجوي، ودمج الاستخبارات، والمراقبة والاستطلاع، والنيران الدقيقة، واستدامة الإمداد اللوجستي.
وأشار التقرير إلى أن تفضيل المساعدات الأمنية للعراق على حساب الإصلاح الشامل لقطاع الأمن قد حد من التقدم في مجالين حاسمين، وهما تطوير مؤسسات أمنية على نحو مستدام تكون قادرة على الحفاظ على الجاهزية، واستدامة المعدات والتكيف مع التهديدات الناشئة، وكذلك إنشاء بنية أمنية شاملة قادرة على تنسيق الجهات الأمنية العراقية المتنوعة، بما في ذلك وزارتا الدفاع والداخلية، وجهاز مكافحة الإرهاب وقوات الحشد.
من جانب آخر، عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على تحسين القدرات الإدارية وعمليات الحوكمة؛ وركّزت بعثة الناتو في العراق على بناء مؤسسات الدفاع؛ ودعم مكتب التعاون الأمني الأميركي–العراقي تطوير الوزارات الحكومية؛ وسعت بعثة الاتحاد الأوروبي الاستشارية في العراق إلى إصلاحات في مجال الأمن الداخلي. غير أن تأثير هذه المبادرات ظل محدوداً، جزئياً بسبب صغر نطاقها، وأيضاً لأن الوجود الأميركي المهيمن شكّل بنية الحوافز العامة لقطاع الأمن. فطالما أن الدعم العملياتي الأميركي يدعم النظام الأمني العراقي، أمكن تأجيل الكلفة السياسية للإصلاح المؤسسي العميق. وعملياً، أدّى وجود إطار واسع النطاق للمساعدة الأمنية إلى إزاحة العمل الأبطأ والأكثر تعقيداً لإصلاح قطاع الأمن، حتى عندما كانت برامج فردية تحاول دفعه قدماً.
اليوم، ولأول مرة منذ سنوات، يبرز انفتاحٌ جزئي نحو الإصلاح المؤسسي. فمع انسحاب القوات الأميركية ويونامي، لم يعد قادة العراق يعملون تحت مظلة فاعلين دوليين أقوياء. خطاب السيادة قوي، والتوقعات مرتفعة، وكثير من المسؤولين يدركون أن البنية الأمنية الحالية لا يمكن أن تعمل إلى ما لا نهاية من دون مؤسسات أقوى.
الاقتصاد السياسي العراقي سيبقى أكبر عائق أمام الإصلاح. فشبكات المحسوبية تستفيد من عمليات شراء غير شفافة، وتعيينات تقديرية، وهياكل موازنة مجزأة. كما تعزز الدورات الانتخابية هذه الديناميات بدلاً من تصحيحها. فكل انتخابات تجلب تحالفات جديدة، وتغييرات وزارية، وتبدلات في القيادات العليا داخل المؤسسات الأمنية، وغالباً ما تعيد ضبط أجندات الإصلاح قبل أن تنضج.
ويُضحّى بالاستمرارية المؤسسية لصالح المساومات السياسية، ما يجعل التخطيط طويل الأمد، والاحتراف، والانضباط الإداري صعب الاستدامة بعد دورة حكومية واحدة. ويعمّق ذلك الفجوة بين الجمهور العراقي والنخب السياسية. وبالتالي، فإن تشكيل حكومة جديدة عقب انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر 2025 سيكون اختباراً حاسماً لما إذا كان السياسيون سيتعاملون مع الإصلاح المؤسسي كضرورة استراتيجية، أم سيخضعونه مجدداً لمقتضيات التوافق السياسي قصير الأجل.
ويشير التقرير إلى ضرورة انخراط العراق مع شركاء إقليميين، بما في ذلك دول الخليج. فزيادة الانخراط الخليجي في العراق—من خلال الاستثمار، والتعاون الحدودي، ودعم البنية التحتية—يمكن أن تسهم في الحفاظ على الاستقرار أيضاً.
لقد تشكّل العقد الماضي بفعل المُمكّنات الأميركية والسند السياسي للأمم المتحدة. أما العقد المقبل فسيعتمد على ما إذا كان العراق قادراً على الوقوف على قدميه—وعلى ما إذا كان قادته مستعدين لقبول الانضباط المؤسسي الذي يتطلبه ذلك. سيكون التقدم غير متكافئ، وأحياناً محبطاً. ومع ذلك، تبقى هذه اللحظة أكثر الفرص وعداً لإصلاح مؤسسي مستدام منذ عام 2003. ويبقى السؤال مفتوحاً حول ما إذا كان العراق قادراً على اغتنامها.
عن المعهد الدولي للسلام IPI

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

مقالات ذات صلة

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»
سياسية

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

بغداد/ تميم الحسن يتّسع، على ما يبدو، الشرخ داخل الفصائل المسلحة بشأن ملف تسليم السلاح والجهة المخوّلة بإدارته، في انقسام لم يعد محصوراً بالإطار الأمني، بل بدأ يترك أثره المباشر على تفاهمات القوى الشيعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram